تواجه البنية الفكرية للإنسان تحديات جمة وهجمات متزايدة من الجهل والتجهيل، تبرز أهمية العمل والتطوع كملاذ للحفاظ على النور الذي يمكن أن يضيء طريق الإنسانية نحو مستقبل أفضل. إن العمل التطوعي ليس مجرد نشاط يُمارس في أوقات الفراغ؛ بل هو ضرورة ملحة لإعادة ترميم ما تم هدمه في قلاع الفكر الإنساني بفعل عوامل الزمن والتغيرات السريعة.
هذه المقالة تستكشف كيف أن الانخراط في العمل التطوعي يتجاوز مفهوم الإصلاح الذاتي ليصبح وسيلة لإحداث تغيير شامل في المجتمع، وتسلط الضوء على القيمة العميقة والتأثير البالغ للتطوع في نسج نسيج مجتمعي متماسك يقاوم تيارات الجهل ويعيد إحياء الأمل في قلوب الناس.
ما هو العمل التطوعي؟
التطوع هو نشاط يقوم به الأفراد من تلقاء أنفسهم وبمحض إرادتهم دون توقع مقابل مادي. يتميز بكونه مساهمة في خدمة المجتمع أو فئة معينة من الناس مثل دعم المحتاجين، المشاركة في برامج الحفاظ على البيئة، المساعدة في مراكز الرعاية الاجتماعية، أو المشاركة في مبادرات تعليمية وثقافية. الغاية من العمل التطوعي تتجاوز المساعدة المباشرة إلى تعزيز قيم التعاون، الإيثار، وبناء مجتمع أكثر تماسكًا وتفاهمًا. يساهم العمل التطوعي أيضًا في تطوير المهارات الشخصية للمتطوعين، كما يعطيهم شعورًا بالرضا والإنجاز.
أهمية العمل التطوعي
تنبع أهمية التطوع من أهمية هذا الزمان نفسه.. ومن شدة الهدم الذي أحدثه هذا العصر في البنية الفكرية للإنسان، ومن زاوية إنقاذ الفكر الإنساني من صولة تلك التخريبات.
نعم لقد تزعزعت قلاع الفكر الإنساني، وتصدعت أمام هجمات الجهل والتجهيل في هذا العصر الرهيب، مما يستوجب على كل غيور أن يشمر عن ساعديه وينزل إلى ساحات التطوع والعمل التطوعي.
مفهوم التطوع في مسارات
إننا بما نقوم من عمل تطوعي في مسارات بشكل خاص لا نعمر تخريبات جزئية ولا نرمم بيتا صغيرا مهدما، بل نصلح تخريبات عامة ونرمم قلعة عظيمة تحتضن المجتمع وتحيط به، وهي لا تسعى لإصلاح قلب خاص أو عقل معين بل تسعى لمداواة القلب العام المجروح وضماد الأفكار العامة المكلومة، نعم إنها تسعى لمداواة الجروح الواسعة الغائرة بأدوية العلم والفكر.
إن هذا الزمان الذي نحن فيه ليس زمان الشخصية الفردية، فالشخص المعنوي الناشئ من العمل الجماعي هو الذي ينفذ حكمه ويصمد تجاه الأعاصير.
فلأجل الحصول على حوض عظيم، ينبغي للفرد إلقاء شخصيته التي هي كقطعة ثلج في ذلك الحوض وإذابتها فيه، وإلا فستذوب حتما تلك القطعة وتذهب هباء وتفوت الفرصة من الاستفادة من ذلك الحوض أيضا، ولنفهم هذا بمثال:
اشترك خمسةُ أشخاص في إشعال مصباح زيتي، فوقع على أحدهم إحضار النفط، وعلى الآخر الفتيلة، وعلى الثالث زجاجة المصباح، وعلى الرابع المصباح نفسه، وعلى الأخير علبة الكبريت، فعندما أشعلوا المصباح أصبح كل منهم مالكاً لمصباح كامل.
فلو كان لكل من أولئك المشتركين مرآةٌ كبيرة معلقة بحائط، إذن لأصبح منعكساً في مرآته مصباحٌ كامل -مع ما في الغرفة- من دون تجزؤ أو نقص، وهكذا الأمر في الاشتراك في الأمور التنويرية بسر التساند وبسر الأخوة وضم المساعي بسر الاتحاد، إذ سيدخل مجموعُ أعمال المشتركين وجميع النور النابع منها سيدخل بتمامه في نتائج أعمال كل منهم.
إن أهل الجهل في هذا العصر قد امتطوا (أنا) فهو يجوب بهم في وديان الضلالة، فأهل العلم لا يستطيعون خدمة العلم إلا بترك (أنا) والتمسك بـ (نحن)، فمسلكنا هو التطوع وبالتالي هناك مرشحون كثيرون لهذا الشرف، فلا مجال للمزاحمة بالمنافسة.
لا توجد أفكار عن “بصمات التغيير: العمل التطوعي وإحياء الأمل”
جزيتم خيرا
بأمثالكم ترتقي الأمم
كل فرد منا بحاجة لمصباح ذاتي الانارة يتطوع لإنارة طريق لأجيال كاملة