يدرك أصحاب المؤسسات الربحية والإنسانية على حد سواء، أهمية التطوير الذاتي في مكان العمل، فهو لا يعود بالفائدة على الموظفين فحسب، بل يساعد هذه المؤسسات على تحقيق أهدافها بالشكل الأمثل والأسرع.
ولكي تعمل بكفاءة عالية، يجب أن يكون لدى كل موظف رؤية واضحة لمسار التطوير الشخصي الخاص به، وتلقي الدعم من إدارته لتحفيزه وتقديم التسهيلات له.
كشفت الأبحاث التي أجراها معهد تشارترد لشؤون الموظفين والتنمية أن 15% من المؤسسات في المملكة المتحدة تخطط لزيادة فرص التطوير الذاتي في مكان العمل، في حين أن أكثر من نصفها قد خصصت بالفعل حوالي 10% من ميزانية التدريب الخاصة بها لتحقيق هذه الغاية.
لماذا تطور مهاراتك في مكان العمل؟
ليس من الغريب أن تركز المؤسسات بشكل كبير على التطوير الذاتي عندما تفكر في المكاسب التي تحققها، فهو يؤدي إلى تحسين أداء الموظفين ومهاراتهم، ويخلق قوة عاملة تزدهر تصاعدياً مما يعود بالنفع المادي والمعنوي على حد سواء لهذه المؤسسات.
كما أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب المختصة بالاستطلاعات أن 70% من الموظفين في المملكة المتحدة شعروا بالانفصال عن العمل في مرحلة ما، وكان السبب الرئيسي هو عدم الاعتراف بإنجازاتهم والشعور بالتقليل من قيمتهم بشكل عام وعدم وضع برامج تدريبية كافية لتطوير خبراتهم.
إن تحديد أهداف قابلة للتحقيق للقوى العاملة يزيد من مهاراتهم واهتماماتهم ويبني ثقتهم، ويؤدي إلى زيادة قيمة الموظف إلى الحد الأقصى، حيث يتم تحديث مهاراتهم باستمرار، مما يمكّن المؤسسات من التحسين أكثر من الداخل دون الحاجة إلى توظيف جديد الذي يزيد الأعباء المالية.
ما أهمية الرضا الوظيفي للموظفين؟
الرضا الوظيفي يمثل أحد أهم العوامل التي تؤثر على أداء وسلوك الموظفين في مكان عملهم، وهناك مجموعة من الأسباب التي تبرز أهمية هذا الجانب:
الإنتاجية الفعّالة
يسهم الرضا الوظيفي في زيادة إنتاجية الموظفين، إذ يكونون أكثر تفانياً وإبداعاً في أداء مهامهم عندما يشعرون بالرضا والراحة في بيئة العمل.
الالتزام والانتماء
الموظف الراضي يكون أكثر ارتباطاً بمؤسسته وأهدافها، وهذا الانتماء يدفعه لبذل جهود إضافية ويسهم في بناء ثقافة تنظيمية قوية.
الصحة النفسية والعقلية
يُعَدّ الرضا الوظيفي عاملاً مؤثراً في صحة الموظف النفسية والعقلية، والشعور بالسعادة والاستقرار في العمل ويؤثر إيجابياً على مستوى الإجهاد وضغط العمل.
الإبداع والابتكار
الموظفون الراضون يكونون أكثر استعداداً لتقديم أفكار جديدة والمساهمة في الإبداع في بيئة عمل تشجع على التفكير الإبداعي.
الاستقرار والاستمرارية
الرضا الوظيفي يساهم في تحقيق الاستقرار، إذ يقلل من نسبة تغيير الموظفين ويعزز استمراريتهم في العمل.
يُظهر البحث الذي أجرته منصة التعلم Good Habitz أن 65% من الموظفين في أوروبا يعتقدون أن الافتقار إلى التطوير الشخصي يمثل عقبة هائلة في مكان العمل وسبب وجيه للبحث عن وظيفة جديدة، وهذا الرقم ثابت في جميع أنحاء أوروبا، حيث يقول 70% من الموظفين الحاليين إنهم سيكونون أكثر سعادة في وظائفهم الحالية إذا أتيحت لهم فرص أكثر للنمو والتطور.
ما هي الموارد التي يمكنك استخدامها؟
لا يوجد “مقاس واحد يناسب الجميع”، وما يصلح لشخص واحد قد لا يصلح لشخص آخر، وعندما نقوم بتحديد أهداف التطوير الذاتي للفريق، يجب أن نتماشى مع احتياجات المؤسسة والدور الذي يلعبه كل عضو داخلها.
هناك مجموعة متنوعة من الموارد التي يمكن استخدامها في خطط تطوير الموظفين ومنها:
-
الدورات التدريبية والتطويرية
دورات الدراسة الخارجية: كالجامعات أو معاهد التدريب المعترف بها.
الدورات عبر الإنترنت: تقدم مجموعة واسعة من المواضيع المتنوعة.
ورش العمل والندوات: التي تغطي مجالات محددة وتوفر تفاعلاً مباشراً.
-
المواد التعليمية
الكتب والمقالات: توفر أفكاراً وتقنيات جديدة ومعرفة متعمقة في مجالات متنوعة.
المدونات والمواقع الخاصة بالتطوير الشخصي والمهني: تقدم مقالات ونصائح يومية قيمة وذات فائدة في جميع المجالات.
-
الاستشارات والمرشدون
المدربين الشخصيين أو المرشدين المهنيين: يمكنهم توجيه ومساعدة الموظفين على تحديد أهدافهم وتطوير مهاراتهم.
-
الخبرات العملية
المشاريع الداخلية: التي توفر فرصاً للموظف لتطبيق المعرفة وتطوير المهارات داخل بيئة العمل الفعلية.
-
الشبكات والتفاعل الاحترافي
المشاركة في مجتمعات مهنية: مثل المنتديات والجمعيات المهنية التي تسمح بتبادل الخبرات والأفكار.
-
الأنشطة التطوعية والتحفيزية
المشاركة في فعاليات التطوير الشخصي: مثل مسابقات التحدي أو الأنشطة الجماعية التي تعزز الروح التنافسية وتحفز على التعلم.
استخدام هذه الموارد بشكل منهجي ومتوازن يساهم في تطوير وتعزيز مهارات الموظفين وزيادة الإنتاجية في مكان العمل مما يعود عليهم وعلى المؤسسة التي يعملون بها بالتطور المستمر.
هل يمكن للعمل المشترك المساعدة في تطوير الذات؟
العمل المشترك أو التعاون في بيئة العمل يكون وسيلة فعّالة لتطوير الذات، ويساعد العمل المشترك في التطوير الشخصي للموظفين من عدة نواح:
تبادل المعرفة والخبرة: عند العمل في فريق، يكون لديك فرصة لتبادل المعرفة والخبرة مع الزملاء، مما يسمح بتطوير مهارات جديدة وفهم أفضل لمجالات أخرى.
التحفيز والتشجيع: عندما يتعاون الأفراد معاً، يمكنهم تشجيع بعضهم البعض ودعم بناء الثقة والاحترام المتبادل، مما يسهم في تحفيز الأداء وتحقيق الأهداف.
تعزيز مهارات التواصل والعمل الجماعي: العمل ضمن فريق يُطوّر مهارات التواصل الفعّال وفنون العمل الجماعي وإدارة الصراعات وحل المشاكل داخل بيئة العمل.
توسيع الروافد الإبداعية: العمل في مجموعة يمكن أن يحفز على تبادل الأفكار والتفكير الإبداعي المشترك، مما يؤدي إلى وجود مدخلات متعددة لحل المشكلات وتطوير الأفكار الجديدة.
بناء العلاقات والشبكات الاجتماعية: العمل المشترك يسمح ببناء علاقات قوية مع الزملاء والشركاء في العمل، وهذا يمكن أن يكون مفيداً في تطوير شبكة العلاقات المهنية.
بشكل عام العمل المشترك يوفر بيئة غنية بالفرص، لتعزيز الذات وتطوير المهارات الشخصية والمهنية، كما يعزز الإنجازات الجماعية التي تسهم في النمو الشخصي والمهني للأفراد وبالتالي يعود بالنفع على المؤسسات.
تطوير الموظف الشخصي والمهني يعتبر عملية مستمرة ومستدامة، ويتطلب الأمر الالتزام بالتعلم المستمر والعمل على تطوير مجموعة متنوعة من المهارات، من خلال تبني هذه الاستراتيجيات، يمكن للموظف أن يحقق التميز في مجال عمله ويسهم في نجاح الشركة بشكل عام.
فلا نقلل أبداً من أهمية التطوير الذاتي في مكان العمل عندما يتعلق الأمر برضا الموظفين ومشاركتهم، ويجب أن تكون الأهداف من تطوير الموظفين قابلة للقياس والتحقيق ومحددة، وذات صلة، مما يضمن فائدة للموظف والمؤسسة.
الكاتب: فؤاد الديك – مدير الموارد البشرية واللوجستية في مبادرة مسارات
المصادر:
https://www.gallup.com/home.aspx