fbpx

مبادرة مسارات

محتوى المقال

اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات

بينما توصلون أولادكم في أيامهم الأولى لمدارسهم ومراكز تعليمهم، بعد أن جهزتم حقائبهم، وحضّرتم وجباتهم، لا يزال 2.4 مليون طالب منقطع عن التعليم في سوريا بحسب اليونسيف، هؤلاء الطلاب لم يجدوا مدارسهم تنتظرهم، ولم يحملوا حقائبهم فارغة ليعودوا بها مملوءة بكتب العام الدراسي الذي سيقضونه على مقاعد الدراسة، فالنزاع الذي تعاني منه المنطقة منذ سنوات طويلة أثر بشكل كبير وسلبي جداً على قطاع التعليم، وهذه الحالة غير مقتصرة على سوريا فقط ، يعاني منها كل مكان يتعرض لأزمة أو حالة حرب..

 

نتكلم في هذا المقال عن اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات، والمبادرات التي تُعنى بحماية التعليم، والدور الإنساني والقانوني في ذلك ..

 

تأثير الهجمات على التعليم في مناطق النزاع

تعتبر الهجمات على التعليم أحد أشد الانتهاكات جرمًا لحقوق الإنسان، وتترك آثاراً عميقة مدمرة على المجتمعات المتضررة، هذه الهجمات تستهدف بشكل مباشر أو غير مباشر المدارس والمعلمين والطلاب، وتؤدي إلى عواقب وخيمة على المستوى الفردي وعواقب طويلة الأجل على التعافي الاجتماعي والاقتصادي على المستوى الوطني .

 

بحسب ” الشبكة السورية لحقوق الإنسان ” تعرض ما مجموعه 1681 من المدارس ورياض الأطفال والمراكز التعليمية في سورية، لهجمات مباشرة منذ عام 2011 وحتى أواخر 2023.

البنر 3

 

و بحسب “منسقو استجابة سوريا” هناك أكثر من 55 معلماً خلال السنوات الثلاثة الأخيرة فقدوا حياتهم نتيجة الهجمات العسكرية من قبل الجهات المختلفة، عدا عن هجرة مئات المعلمين، وتحول جزء آخر إلى أعمال أخرى نتيجة انقطاع دعم العملية التعليمية، حيث تعاني أكثر من 45 % من المدارس من انقطاع الدعم عنها.

 

هذا الحال لا يقتصر على شمال غربي سوريا فقط، ففي تقريرها الصادر في الرابع والعشرين من يناير هذا العام، أي بعد 4 أشهر فقط من بدء الحرب في غزة، وبمناسبة اليوم الدولي للتعليم أوضحت الأونروا في بيان مشترك مع اليونسكو واليونيسيف أن:

 

  • أكثر من 5 ألف طالب فقد حياته، وإصابة أكثر من 7 ألف آخرين.
  • وفاة نحو 95 أكاديميا وباحثا، بينهم 77 حاصلين على درجة الدكتوراة وثلاث رؤساء جامعات.
  • أكثر من 625 ألف طالب قد حرموا من التعليم منذ بدء الحرب على غزة،.
  • فقد 22 ألف مدرس وظائفهم في قطاع التعليم.
  • تدمرت 13 مكتبة عامة وأكثر من 80% من المدارس في غزة بينما تحولت 133 مدرسة لمركز إيواء، ولا تزال الأعداد تتزايد.

2 3 Large

 

كل هذا تتعرض له غزة في جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل كامل فيما يطلق عليه الآن اسم “الإبادة التعليمية”.

 

أما في السودان البعيد عن التقارير وعدسات المصورين، المنسي أو المتناسى أمره، في إحصائية أعلنتها اليونيسيف بعد 6 أشهر فقط من بدء النزاع المسلح:

  • هناك نحو 19 مليون طفل باتوا خارج المدارس.
  • يواجه قرابة مليون و100 طالب من طلاب الشهادة الثانوية مصيراً غير معروف .
  • المدارس البالغ عددها 22 ألف مدرسة في كل أرجاء البلاد، إما تم تدميرها أو تحولت الى ثكنات عسكرية أو الى دور إيواء في الولايات التي لم تلتهمها نيران الصراع المسلح بعد.

 

 هذا الحال هو مادفع اليونيسيف الى أن تطلق على السودان  ” موطن أسوأ أزمة تعليمية في العالم ” .

 

مستقبل الشباب تحت وطأة الهجمات على التعليم  

حرمان الأطفال والشباب من حقهم في التعليم والذي يعتبر أساساً للتطور الشخصي الاجتماعي والاقتصادي، يعني تدمير لمستقبل الأفراد وتفريخ للعنف وضمان استمراريته، عبر زيادة معدلات الأميّة والفقر، حتى عند عودة التعليم بعد إنتهاء الهجمات الناتجة عن الأزمات ستبقى معدلات التسرب من المدارس موجودة، وتحتاج سنوات طويلة لمعالجتها بسبب الخوف والآثار النفسية مثل الصدمات والإكتئاب والتي تؤثر على قدرة الطلاب على التعلم والتفاعل مع الآخرين .

 

 كما أن الهجمات تؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم، من حيث:

  • إنعدام الأمن الذي يؤدي الى نزوح وهجرة المعلمين المؤهلين مما يؤدي الى تباين في نسب التلاميذ الى المعلمين، وندرة في المعلمين المدربين تدريباً نوعياً.
  • تدمير البنية التحتية للتعليم من مدارس و جامعات ومكتبات ومختبرات وهو أمر يتطلب سنوات لإعادة بنائه.
  • عملية إعادة الإعمار، تتطلب زيادة كبيرة في الإنفاق، الذي إذا ترافق مع سوء إدارة وموازنة سيؤثر على استبقاء المعلمين الذين لا يحصلون على رواتب ومستحقات مالية كافية، مما يؤدي بدوره إلى تدهور إضافي في جودة التعليم.
  • كل هذا سيؤدي إلا عملية تعليمية، ومناهج لا تتناسب مع سوق العمل ومتطلبات التنمية، فينخفض الناتج القومي ويزداد الفقر .  

226e9f91adf74636a8b6752e1aa6d1cd Large 

 

التعليم  كأداة للسلام 

التعليم وسيلة لتحفيز الصراع وبناء السلام على حد سواء، والتعليم يصبح محركاً للنزاع عندما تصبح الخدمات التعليمية متاحة للبعض فحسب وليس للجميع، وعندما تكون خدمات التعليم ضعيفة الجودة ولا علاقة لها بالقابلية للتوظيف أو القدرة على التكيف بفعالية في الظروف الصعبة، حينها تكون ردة فعل المجتمع هي الإحباط والسخط.

 

ومن ناحية أخرى، فإن الخدمات التعليمية التي تكون متاحة على نحو منصف، والتي تكون جيدة الجودة ومناسبة، وتعزز من وجود رؤية مشتركة، والتي تقوي العلاقات بين أفراد وفئات المجتمع، وبنفس الوقت تدار بشكل عادل، فهي تعزز التلاحم والتعاضد الاجتماعي.

 

وجدت الأبحاث التي قارنت بيانات تم جمعها من حوالي 100 بلد على مدى 50 عاما دليلًا قوياً على أن احتمالية نشوب نزاع عنيف تتضاعف بالنسبة للبلدان ذات المستويات المرتفعة من انعدام المساواة في التعليم، ويشير البحث أيضاً إلى أنه كلما زادت المساواة في التعليم بين الطلاب والطالبات تناقصت احتمالية نشوب صراع عنيف بنسبة تصل إلى 37 بالمائة.

 

يمكن لسياسة وتخطيط قطاع التعليم المساهمة في بناء سلام مستدام من خلال:

  • إعادة التوزيع العادل للوصول إلى التعليم، والموارد، والفرص.
  • الاعتراف بالآخر؛ وضمان المشاركة العادلة في صنع القرار على جميع المستويات.
  • الاستفادة من التعليم في التعامل مع آثار انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، ومعالجة الآثار النفسية شديدة السوء المترتبة عليها، من خلال برامج الدعم النفسي والمجتمعي وغيرها.

 

تاريخ وأهمية اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات 

في إجتماعها الرابع والسبعون في 28 مايو 2020 الذي قدَّمته دولة قطر وشارك معها في تقديمه 62 بلداً ، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع أن يوم 9 سبتمر/ أيلول من كل عام يوما سيكون للإحتفال باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات.

 

في الوقت الذي تزايدت فيه معدلات الهجمات على التعليم بشكل غير مسبوق يأتي الإعلان عن هذه المناسبة اعترافاً بأهمية التوعية بالحاجة الملحة للحفاظ على التعليم وحمايته.

 

يُراد من المناسبات الأممية (الدولية منها والعالمية) تثقيف الجمهور العامة بشأن المسائل ذات الأهمية ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة للتصدي للمشاكل المزمنة، و للاحتفاء بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها.

 

 مبادرات دولية وإقليمية لحماية التعليم 

هنالك عدة مبادرات دولية وإقليمية لحماية التعليم تختلف فاعليتها بناء على عدة عوامل مثل :

  • حجم التمويل واستقراره.
  • مقدار الشراكات مع الجهات الفاعلة الأخرى، والقدرة على الاستجابة السريعة للأزمات.
  • نوعية الاحتياجات التي تركز عليها، وتلبيتها في المناطق المستهدفة .

 

على رأس هذه الجهات اليونيسكو، فمنذ تأسيسها عام 1945م تلعب اليونسكو دوراً محورياً في وضع السياسات والمعايير الدولية للتعليم، وتقديم الدعم التقني والمالي للدول الأعضاء، ولديها العديد من البرامج والمبادرات المخصصة لحماية التعليم في حالات الطوارئ والنزاعات.

 

يليها صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) الذي تأسس عام  1946م، ويركز على حماية الأطفال، بما في ذلك حقهم في التعليم، ويقوم بتنفيذ برامج واسعة النطاق في الدول المتضررة من النزاعات والكوارث، ويدعم بناء المدارس وتدريب المعلمين.

 

يليهما من المنظمات غير الحكومية، منظمة “حماية التعليم في حالات الطوارئ EEF ” التي تأسست عام 2009، وتركز على تقديم الدعم المالي والتقني للمشاريع التعليمية في المناطق المتأثرة بالنزاعات، تتميز بمرونتها وقدرتها على الاستجابة السريعة للأزمات.

 

ثم التحالف الدولي لحماية التعليم من الهجمات الذي تأسس عام 2012م، وهو تحالف يضم الحكومات والمنظمات الدولية والمدنية، ويهدف إلى زيادة الوعي بأهمية حماية التعليم، وتقديم الدعم للدول التي تعمل على حماية المدارس والمعلمين من الهجمات.

 

على المستوى الإقليمي هنالك الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي،  التي تملك برامج لدعم التعليم في الدول الأعضاء، ومن المفترض أن تقدم الدعم للبلدان التي تعاني من نقص في الموارد التعليمية، خاصة في مناطق النزاعات.

 

على المستوى المحلي هناك مئات المبادرات التي عملت في هذا المجال لكن يحد من نجاحها معوقات كثيرة، مثل عدم توفر تمويل مستدام، وعدم المقدرة على الوصول للمناطق المتضررة بالنزاعات والكوارث، أو أن تحد التغييرات السياسية والأمنية من تنفيذ المشاريع التعليمية، أو تركيزها على التعليم الإبتدائي فقط رغم أن هنالك حاجة ملحة لدعم التعليم الثانوي والعالي .

 

مبادرة مسارات واحدة من هذه المبادرات التي تعمل بشكل مجاني تماماً لخدمة قطاع التعليم في شمال سوريا، وتقدم خدماتها عن بعد لكل شخص يريد استكمال تعليمه، حتى يصبح قادراً على أن يكون عضواً فاعلاً لنفسه ومجتمعه، تقدم مسارات خدماتها للمستفيدين منها عبر أربعة مسارات رئيسية، هي:

081A3099 Large

 

استفاد من المبادرة حتى الآن ما يزيد عن 31000 طالب وطالبة، ونحن الآن على أبواب عام دراسي جديد، تشهد فيه المبادرة إقبالاً شديداً من المستفيدين الجدد، وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على الاحتياج الشديد التي تواجهه المنطقة في مجال التعليم، وبذات الوقت يدل على جودة الخدمات التي تقدمها المبادرة باستثمار أفضل الوسائل المتاحة.

 

الدور الإنساني والقانوني لحماية التعليم

لكل ما سبق فإن التعليم يعتبر حقاً ملزماً قانوناً، يجب أن تحترمه الدول الأطراف الداخلة في معاهدات دولية وإقليمية، ويجب عليها اتخاذ الخطوات الضرورية الملموسة حتى يتم الإعمال الكامل للحق في التعليم في كل مكان وزمان.

 

حتى في ظروف انعدام الأمن ونشوب النزاع المسلح يجب على الدول بذل كل جهد ممكن للوفاء بالحد الأدنى من الالتزامات الأساسية المرتبطة بإعمال الحق في التعليم، ويجب أن تبذل من أجل ذلك كل الجهود الدولية والإقليمية والمحلية.

 

حتى اللحظة لايوجد في القانون الجنائي الدولي أحكام أو إجتهادات قضائية تتعامل مع حماية التعليم نفسه، حيث لا يرد ذكر للتعليم إلا في معرض إستهداف و/أو تدمير ” الملكية التعليمية “، وهذا يعني الحاجة الملحة لزيادة التركيز الدولي على الأثر الذي يحدثه إنعدام الأمن ونشوب النزاعات المسلحة على قطاع التعليم .

 

في النزاعات المسلحة، يأتي الحق في التعليم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، جنباً إلى جنب مع قواعد القانون الدولي الإنساني، حيث تتطرق اتفاقيات جنيف للتعليم فيما يخص الأحوال الأربعة الشائعة في النزاع المسلح وهي :

 

  • يجب على الأطراف المنخرطة في أي نزاع دولي مسلح اتخاذ التدابير الضرورية لضمان تعليم الأطفال دون سن 15، الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم نتيجة النزاع.

 

  • في حالات اعتقال مدنيين أثناء نزاع دولي مسلح، يجب تشجيع المعتقلين على السعي للحصول على التعليم، وتوفير المنشآت لضمان التعليم خاصة للأطفال والشباب.

 

  • يجب تعاون مختلف السلطات لضمان تسيير مؤسسات تعليمية للأطفال
  • على أطراف النزاع المسلح غير الدولي ضمان تلقي الأطفال للرعاية والمساعدة اللتين يحتاجون إليها بما في ذلك التعليم. 

 

مسؤولية الحكومات والمجتمع المدني لحماية التعليم من الهجمات 

ضمان الحق في التعليم هو واجب على الدولة من الأساس، ولكن هناك جهات فاعلة أخرى تلعب دوراً رئيساً في تعزيز هذا الحق وحمايته مثل:

 

  • الوكالات الحكومية و الدولية متعددة الأطراف مثل اليونسكو واليونيسيف وغيرها.
  • المؤسسات المالية الدولية ينبغي عليها أن تولي إهتماماً أكبر لضمان الحق في التعليم .
  • كما يلعب المجتمع المدني دوراً حاسماً في تعزيز الحق في التعليم، و مساءلة الجهات المسؤولة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاهه.
  • حتى الآباء يقع عليهم دور في إلزام أبنائهم في الإلتحاق بالتعليم .

 

أما الدولة فهي ملزمة باحترام الحق في التعليم وحمايته وإعماله حتى في أوقات النزاعات والأزمات، ويمكن ذلك من خلال عدة إجراءات، على سبيل المثال :

  • ضمان حصول التعليم على نصيبه العادل من التمويل.
  • حماية ميزانيات التعليم من الاقتطاعات أثناء حالات الطوارئ.
  • ضمان التدريب والتطوير المهني المستمر للمعلمين والمربين، بمن فيهم المعلمون المهجرون والنازحون.
  • التأكد من أن المعلمين يتمتعون بظروف عمل آمنة وصحية وجيدة الموارد، لا سيما في سياقات الطوارئ .

 

مبادرة مسارات لدعم التعليم في مناطق الشمال السوري المتضرر

تساهم المبادرات والمؤسسات التي تأخذ على عاتقها مسؤولية الحفاظ على الحق في التعليم، بشكلاً كبيراً في دعم البرامج التعليمية وتفعيل الاهتمام المجتمعي والدولي بالقطاع التعليمي، خاصة في أماكن النزاعات والحروب، وهذا هو الهدف الأساسي الذي وجدت من أجله مبادرة مسارات، التي تسعى لنشر المعرفة عن بعد بين السوريين، وتعمل على تيسير حصول المستفيدين عليها من مختلف مصادرها الموثوقة بطريقة احترافية. 

9 Large

 

مسارات مبادرة تطوعية تعليمية، تدرك أهمية التعليم في بناء أفراد مبدعين ومنتجين قادرين على صناعة مستقبل أفضل، وتؤمن بأن المعرفة هي الأساس الجوهري لبناء حياة الإنسان وتمكينه في المجتمع، وأن التعليم الحقيقي يستمر مدى الحياة.

 

ساهموا أنتم أيضاً في تعليم الأطفال السوريين، وشاركوا في تملّكهم لحق المعرفة من خلال دعم حملة توفير التعليم للطلاب النازحين في سوريا، لتستطيع مسارات الاستمرار في تقديم خدماتها بأعلى جودة، ومساعدة الطلاب في الشمال السوري لإتمام مسيرة تعليمهم، وتحسين أحوالهم للأفضل، ليكونوا بناة المستقبل القادم لمجتمعهم وأمتهم.

 

بقلم : رهام حبيب الله الطيب / بتصرّف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شارك المحتوى عبر:

محتوى المقال