في كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لمحو الأمية لتسليط الضوء على دور التعليم الأساسي في تحسين جودة حياة الأفراد والمجتمعات.
مع تقدم التكنولوجيا وتغيّر المشهد التعليمي، تزداد أهمية محو الأمية، ليس فقط أمية القراءة والكتابة، بل أيضًا في مجالات مثل التكنولوجيا الرقمية.
هذا اليوم يشجعنا أيضًا على التفكير في كيفية تعزيز الوصول إلى التعليم وتجاوز التحديات الحالية، لضمان أن يكون لكل فرد فرصة للمساهمة في مجتمعه وتنمية قدراته.
تعريف محو الأمية وصورها
مفهوم محو الأمية أساساً مرتبط بعملية تمكين الأفراد من القراءة والكتابة، وهذه واحدة من صوره، فالحقيقة أن هذا المفهوم لم يعد يقتصر على هذه المهارات التقليدية فقط، لأن العصر الرقمي الحالي يفرض علينا اليوم صوراً جديدة، لا يمكننا أن نتخلف عنها في حال كنا نريد أن يكون لنا تواجد في هذا العالم التكنولوجي المتسارع.
لذلك أصبح من الضروري أن نوسّع مفهوم محو الأمية ليشمل ” الأمية الرقمية “، هذه المهارة الجديدة تتضمن القدرة على التعامل مع التكنولوجيا وفهم المعلومات الرقمية.
الأمية الرقمية تعني معرفة كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية، مثل الحواسيب والهواتف الذكية، بفعالية، كما تشمل القدرة على تقييم مصادر المعلومات عبر الإنترنت والتمييز بين ما هو موثوق وغير موثوق.، والقدرة على التفاعل الذكي مع العالم الرقمي.
اليوم العالمي لمحو الأمية والهدف منه
هو حدث سنوي تحتفل به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في 8 سبتمبر من كل عام، أُقرّ هذا اليوم من قبل اليونسكو في عام 1966، بهدف تعزيز الوعي بأهمية محو الأمية كحق من حقوق الإنسان وأساس لتحقيق التنمية المستدامة والسلام والازدهار في العالم، والتأكيد على التعليم كحق أساسي، وتشجيع الحكومات والمجتمعات على دعم برامج محو الأمية.
تأتي أهمية اليوم العالمي لمحو الأمية، من استهدافه لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز حقوق الإنسان والمساواة، وبناء مجتمعات أكثر استدامة.
الفرق بين تعليم الكبار ومحو الأمية
تعليم الكبار يشمل تعليم مهارات متقدمة، بينما محو الأمية يركز على الأساسيات، من أهم الفروقات بين تعليم الكبار ومحو الأمية يوضحها الجدول التالي:
تعليم الكبار | محو الأمية | |
الهدف | يركز على تعزيز المهارات المتقدمة مثل التقنية والإدارة. | يهدف إلى تعليم القراءة والكتابة الأساسية. |
المرحلة العمرية | يستهدف البالغين من جميع الأعمار. | يركز على البالغين الذين يفتقرون للمهارات الأساسية. |
المحتوى | يشمل مواضيع متقدمة ومهنية، كالتكنولوجيا والمهارات الرقمية. | يركز على أساسيات القراءة والكتابة |
التقنيات | يستخدم تقنيات تعليمية متقدمة. | يعتمد على أساليب بسيطة مثل التكرار. |
الأدوات | يستخدم أدوات متطورة وبرامج تعليمية. | يعتمد على كتب وأدوات أساسية. |
النتائج | يعزز المهارات المهنية والعلمية. | يمكّن الأفراد من القراءة والكتابة الأساسية. |
الإحصائيات العالمية حول الأمية
تشير الإحصائيات إلى أن هناك ملايين الأشخاص حول العالم يعانون من الأمية، مما يعيق تقدمهم الشخصي والمجتمعي، ومن أهم النقاط التي تشير للعديد من الإحصائيات لمحو الأمية مايلي:
-
عدد الأميين حول العالم:
وفقًا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، يوجد حوالي 773 مليون شخص بالغ في جميع أنحاء العالم لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، ثلثاهم من النساء، مما يسلط الضوء على الفجوة بين الجنسين في الوصول إلى التعليم، ويعكس التحديات التي تواجهها النساء في العديد من المناطق، خصوصاً في الدول النامية، للوصول إلى فرص التعليم.
-
الأمية بين الأطفال والشباب:
حوالي 258 مليون طفل وشاب في سن التعليم (6-17 سنة) لا يذهبون إلى المدارس، بحسب تقرير لليونسكو لعام 2020م.
هؤلاء الأطفال يُحرمون من حقهم الأساسي في التعليم، منهم في سوريا وحدها 2.4 مليون طفل منقطع عن التعليم، لذلك تعمل المبادرات المحلية والدولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منهم، وتقديم الدعم التعليمي المناسب لهم، مثل مبادرة مسارات التي تعمل في الشمال السوري والتي تهدف لنشر المعرفة عن بعد بين السوريين.
-
إحصائيات الأمية الرقمية العالمية:
وفقاً لتقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) لعام 2020، فإن حوالي 3.7 مليار شخص (حوالي نصف سكان العالم) يفتقرون إلى القدرة على استخدام الإنترنت والمهارات الرقمية الأساسية، مما يشير إلى تحديات كبيرة في مجال محو الأمية الرقمية.
و يُظهر تقرير صادر عن اليونسكو أن الأمية الرقمية بين النساء أعلى بنسبة 20% مقارنة بالرجال في العديد من البلدان النامية.
لذلك تدعم مبادرة مسارات النساء اللواتي يعانين من أوضاع معيشية صعبة، اضطرتهن للانقطاع عن الدراسة فترات طويلة، وقد حققت طالبات مسارات من السيدات والأمهات قصص نجاح رائعة يمكنكم الاستمتاع بمشاهدتها.
أهمية محو الأمية الرقمية في المجتمعات وأسبابها
محو الأمية يشكل حجر الزاوية في بناء مجتمع قوي ومستدام، في عصرنا الحالي أصبحت الأمية الرقمية وعدم القدرة على استخدام الأدوات التكنولوجية تشكّل عائقاً أمام الحصول على فرص تعليمية ووظيفية.
فالتكنولوجيا الرقمية هي البوابة التي تفتح أمام الأفراد آفاقاً جديدة للتعليم، والعمل، والمشاركة المجتمعية، وتدفعهم ليشغلوا مواقع أكثر فاعلية في المجتمع.
وهناك الكثير من الأسباب التي تدفعنا لتطوير برامج محو الأمية الرقمية، أهمها أنها تساهم بشكّل فعّال في:
-
تمكين الوصول إلى المعلومات والمعرفة المتقدمة:
ليس فقط من خلال البحث على الإنترنت، بل يجب أن نستفيد من أدوات التحليل وأدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة، حيث يمكن للأفراد أن يطوروا تفكيرهم النقدي، ويتخذوا قرارات مبنية على بيانات ومعلومات موثوقة، مما يعزز من دورهم كمستهلكين ومشاركين فاعلين في الحياة العامة.
-
تعزيز التنافسية في سوق العمل الحديث:
في ظل التحول الرقمي الهائل، أصبحت المهارات الرقمية مثل البرمجة، وتحليل البيانات، وإدارة المنصات الإلكترونية من بين المهارات الأكثر طلباً.
لذلك فإن تفعيل برامج وتدريبات فهم الفضاء الرقمي يعني بناءال قدرة على الابتكار وإيجاد حلول غير تقليدية، مما يمنح الأفراد المتمكنين منه ميزة تنافسية قوية.
-
توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية والسياسية:
إتقان المهارات الرقمية يتيح للأفراد أن يكونوا صوتاً مسموعاً في الحوارات المجتمعية والسياسية، حيث يمكنهم أن يشاركوا في الحملات الرقمية، والندوات الافتراضية، والمبادرات المجتمعية، وبالتالي يكون لهم تأثير في صناعة القرار بطرق لم تكن ممكنة من قبل.
-
تحفيز الابتكار وريادة الأعمال:
المعرفة الرقمية تمكن الشباب والرياديين من تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة، من خلال بناء المواقع الإلكترونية، والتسويق الرقمي، والتجارة الإلكترونية، يمكن للأفراد خلق أسواق جديدة وفرص عمل مبتكرة تساهم في النمو الاقتصادي المحلي والعالمي.
-
تعزيز التعلم المستدام والتكيف مع التغيرات المستقبلية:
المجتمعات التي تسعى لتحقيق التنمية المستدامة تحتاج لتعزيز محو الأمية الرقمية لتكون قادرة على التكيف مع التحولات التقنية السريعة وتبنّي الابتكارات التي تحقق فوائد طويلة الأجل.
كيف تتحقق أهداف محو الأمية
حتى نحقق أهداف محو الأمية يجب أن نتبع استراتيجيات متنوعة تعتمد على السياق الاجتماعي والاقتصادي لكل مجتمع، ويمكن للدول والجهات المعنية تحقيق محو الأمية بطرق عديدة فعالة، منها:
-
البرامج التعليمية المستدامة:
تقديم برامج تعليمية طويلة الأمد ومستدامة تستهدف مختلف الفئات العمرية، بدءاً من الأطفال وحتى كبار السن، تتضمن هذه البرامج المناهج التقليدية للتعليم، بالإضافة إلى برامج تعليم الكبار، والأهم برامج محو الأمية الرقمية، التي ترفع من سويّة الأفراد ونزيد من إنتاجيتهم.
-
التعليم غير النظامي والمجتمعي:
تشجيع التعليم غير النظامي الذي يعتمد على المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية، والمبادرات، لتقديم دروس ومحاضرات تعليمية متخصصة.
يمكن أن تشمل هذه الدروس المواضيع الحياتية مثل مهارات التعلم الأساسية في حال الاحتياج، وكذلك برامج المهارات الرقمية الحديثة التي يمكن أن تقدّم لفئة اليافعين والشباب.
-
المبادرات الحكومية والشراكات مع القطاع الخاص:
يجب أن تكون هناك سياسات واستراتيجيات وطنية لدعم محو الأمية، وتعاون فعّال بين الحكومات والمؤسسات الخاصة، ويمكن للشراكات أن توفر التمويل والدعم اللوجستي والتقني اللازم لنجاح البرامج.
-
البرامج التلفزيونية والإذاعية التعليمية:
يمكن للجهات المعنية أن تستخدم وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والإذاعة لتقديم برامج تعليمية توعوية تستهدف التركيز على المهارات الرقمية الحديثة، وتعمل على انتشارها بين كافة فئات المجتمع.
-
تمكين المعلمين وتدريبهم:
تدريب المعلمين ليكونوا أكثر استعدادًا للتعامل مع الفئات المختلفة من المتعلمين، ولديهم القدرة على استخدام الأدوات الرقمية الحديثة، ضمن أساليب تدريس متنوعة ومبتكرة لتشجيع الطلاب على الاستفادة من الإمكانيات الرقمية والتكنولوجيا الحديثة.
9 فوائد يمكن أن تتحقق من محو الأمية الرقمية
1- تحسين فرص العمل:
في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت المهارات الرقمية من المتطلبات الأساسية في سوق العمل، محو الأمية الرقمية يمكن الأفراد من اكتساب مهارات مثل استخدام برامج الحاسوب، والتحليل الرقمي، والتواصل عبر الإنترنت، مما يجعلهم مؤهلين لشغل مجموعة واسعة من الوظائف في القطاعات المختلفة مثل التكنولوجيا، والإعلام، والتمويل، والتعليم. وبذلك، تتحسن فرص العمل للأفراد وتزداد فرص التوظيف.
2- تعزيز الدخل:
تحسين فرص العمل، يتبعه تحسين للدخل، لأن الأفراد الذين يمتلكون مهارات رقمية يكونون أكثر تأهيلاً للحصول على وظائف ذات أجر أعلى وفرص ترقية أكبر.
كما يمكن لمحو الأمية الرقمية أن يُمكّن الأفراد من العمل الحر عبر الإنترنت، مثل الكتابة، والتصميم الجرافيكي، وتطوير المواقع، مما يتيح لهم فرصاً أكبر لكسب الدخل.
3- زيادة المشاركة المجتمعية:
من خلال الوعي الرقمي، يتمكن الأفراد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للمشاركة في الأنشطة المجتمعية والسياسية، مما يمكنهم من التفاعل مع قضايا مجتمعاتهم، والتعبير عن آرائهم، والانخراط في الحملات التي تهدف إلى التغيير الاجتماعي والسياسي، هذا يعزز من الديمقراطية ويجعل الأفراد جزءًا من عملية صنع القرار.
4- تقوية القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة:
توفر المهارات الرقمية للأفراد القدرة على الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة، مما يساعدهم في اتخاذ قرارات يومية مبنية على معلومات صحيحة، حيث يمكنهم البحث عن المعلومات المتعلقة بالصحة، والتعليم، والاقتصاد، والسياسة، مما يجعلهم أكثر قدرة على تقييم الخيارات واتخاذ قرارات تعود بالفائدة عليهم وعلى أسرهم.
5- تعزيز التعليم:
محو الأمية الرقمية يسهم في تحسين التعليم الأكاديمي والمهني، الطلاب المتعلمون رقمياً يمكنهم الوصول إلى الموارد التعليمية عبر الإنترنت، مثل المكتبات الرقمية والدورات الإلكترونية، هذا يسهم في زيادة معدل النجاح الأكاديمي، ويمكن المهنيين من متابعة دورات تدريبية تعزز من مهاراتهم وتساهم في التطور الوظيفي.
6- توسيع الوعي الثقافي:
المهارات الرقمية تمكن الأفراد من الوصول إلى مصادر متعددة للمعلومات الثقافية، مثل الكتب والمقالات والفيديوهات الوثائقية، مما يساعدهم في فهم ثقافتهم والمجتمعات الأخرى بشكل أعمق، وهذا يسهم في تعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين مختلف الثقافات ويقلل من التحيز والتعصب.
7- تمكين الأفراد من استخدام التكنولوجيا:
محو الأمية الرقمية يعني أن نفهم كيفية استخدام الأجهزة الرقمية مثل الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والحواسيب، والتفاعل مع البرمجيات والتطبيقات، هذا يوفر للأفراد القدرة على استخدام الأدوات الرقمية بكفاءة، مما يتيح لهم الفرصة للوصول إلى المعلومات، والخدمات الحكومية، والتواصل مع الآخرين بشكل أكثر فعالية.
8- تعزيز الاستقلالية:
من خلال المهارات الرقمية، يمكن للأفراد إدارة شؤونهم الشخصية بكفاءة أكبر، مثل دفع الفواتير، وشراء المنتجات عبر الإنترنت، والوصول إلى الخدمات المصرفية، هذا يعزز من استقلاليتهم ويقلل من اعتمادهم على الآخرين للمساعدة في أمورهم اليومية.
9- مكافحة الأخبار المزيفة:
في ظل انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المغلوطة، يصبح من المهم للأفراد أن يمتلكوا القدرة على التحقق من صحة المعلومات, محو الأمية الرقمية يساعد الأفراد في تقييم مصادر المعلومات، والتأكد من مصداقيتها، وتجنب التضليل الإعلامي, وهذا يسهم في تعزيز المعرفة المستنيرة واتخاذ قرارات صحيحة.
دور التكنولوجيا في تعزيز محو الأمية الرقمية
تلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في تعزيز جهود محو الأمية الرقمية، وذلك من خلال توفير الأدوات والموارد التي تُمكّن الأفراد من اكتساب المهارات الرقمية الضرورية للتفاعل بفعالية مع العالم الرقمي، إليك أبرز أدوار التكنولوجيا في هذا المجال:
1- توفير منصات التعليم الإلكتروني:
المنصات التعليمية عبر الإنترنت مثل كورسيرا، يوديمي، وأكاديمية خان، تُمكّن الأفراد من الوصول إلى مواد تعليمية متقدمة ومجانية حول المهارات الرقمية، هذه المنصات تقدم دورات في مواضيع متنوعة مثل: البرمجة، وتحليل البيانات، والتسويق الرقمي، مما يساهم في تحسين المعرفة الرقمية للأفراد بشكل مرن وفعال.
2- استخدام تطبيقات التعليم التفاعلي:
تُسهم التطبيقات التفاعلية مثل “Duolingo” و”Codecademy” في تحسين تجربة التعلم من خلال تقديم واجهات تفاعلية وأدوات تعليمية تسهم في جعل عملية تعلم المهارات الرقمية أكثر جاذبية، توفر هذه التطبيقات تدريبات عملية وألعاب تعليمية تحفز المستخدمين على اكتساب مهارات جديدة بطريقة ممتعة وتفاعلية.
3- الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت:
تتيح محركات البحث مثل جوجل وبيانات ويكيبيديا للمستخدمين الوصول إلى معلومات وموارد متنوعة بسرعة وسهولة، يمكن للأفراد استخدام هذه الأدوات للبحث عن حلول للتحديات الرقمية التي يواجهونها، مما يعزز قدرتهم على حل المشكلات واتخاذ قرارات مستنيرة في السياق الرقمي.
4- دعم الابتكار في أدوات التدريب:
تسهم التكنولوجيا في تطوير أدوات تدريب مبتكرة مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) التي توفر تجارب تعلم ممتعة، و يمكن استخدام هذه الأدوات لتدريب الأفراد على استخدام التطبيقات والبرامج بطريقة تفاعلية، مما يعزز فهمهم للمهارات الرقمية ويجعل عملية التعلم أكثر تفاعلية وواقعية.
5- توفير أدوات الإنتاجية الرقمية:
تساعد أدوات الإنتاجية الرقمية مثل حزم برامج المكتب (Microsoft Office، Google Workspace) في تحسين كفاءة الأفراد في إنجاز مهامهم اليومية، تعزز هذه الأدوات من مهارات الكتابة، وإدارة البيانات، والتعاون عبر الإنترنت، مما يسهم في زيادة قدرة الأفراد على العمل بفعالية في بيئة رقمية.
الجهود الدولية والمحلية لمحو الأمية الرقمية
الجهود الدولية والمحلية لمحو الأمية الرقمية أصبحت ضرورية لمواجهة التحديات المتزايدة في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا والاتصالات الرقمية، تهدف هذه الجهود لتمكين الأفراد من اكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لاستخدام التقنيات الرقمية بفعالية، وبالتالي تحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي الشامل.
دعونا نستعرض الجهود المبذولة على المستويين الدولي والمحلي:
الجهود الدولية لمحو الأمية الرقمية:
-
مبادرات الأمم المتحدة:
أطلقت الأمم المتحدة، من خلال مؤسساتها المختلفة مثل اليونسكو واليونيسيف والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، العديد من البرامج التي تهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية.
على سبيل المثال، قامت اليونسكو بإطلاق مبادرة ” محو الأمية الرقمية للقرن الحادي والعشرين ” التي تركز على تطوير قدرات الأفراد في استخدام الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية لتحسين حياتهم.
-
مشاريع الاتحاد الأوروبي:
يُعَدّ الاتحاد الأوروبي من الفاعلين الرئيسيين في تعزيز محو الأمية الرقمية، من خلال خطة العمل للتعليم الرقمي يقوم الاتحاد بتمويل مشاريع تهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية في جميع دوله الأعضاء، بما في ذلك التدريب على استخدام الأدوات الرقمية في التعليم والعمل.
-
المنظمات غير الحكومية العالمية:
تقوم العديد من المنظمات غير الحكومية العالمية مثل ” مشروع محو الأمية الرقمية ” (Digital Literacy Project)، و” المؤسسة العالمية لتعليم الكمبيوتر ” (World Computer Literacy Foundation) بتوفير برامج تدريبية مجانية وتطوير مناهج تعليمية خاصة لتعزيز محو الأمية الرقمية في المجتمعات الفقيرة والمهمشة.
-
الشراكات مع شركات التكنولوجيا الكبرى:
تعمل شركات التكنولوجيا مثل جوجل ومايكروسوفت وفيسبوك على إطلاق مبادرات خاصة بمحو الأمية الرقمية، تشمل توفير التدريب المجاني والدورات التفاعلية عبر الإنترنت، مثل برنامج “Google for Education” الذي يركز على تعزيز مهارات المعلمين في استخدام التكنولوجيا في الفصول الدراسية.
الجهود المحلية لمحو الأمية الرقمية:
-
برامج الحكومات الوطنية:
تقوم العديد من الدول بوضع سياسات وطنية لتعزيز محو الأمية الرقمية، مثل إنشاء مراكز تدريب على التكنولوجيا في المناطق الريفية، وتطوير المناهج الدراسية في المدارس لتشمل مقررات خاصة بالتكنولوجيا والبرمجة.
-
مبادرات المجتمع المدني:
تعمل منظمات المجتمع المدني على تنفيذ برامج محلية تستهدف الفئات المهمشة، مثل النساء والشباب وكبار السن، لتزويدهم بالمهارات الرقمية التي تساعدهم في الحصول على فرص عمل أفضل والمشاركة الفعالة في المجتمع.
-
التعليم الرقمي في المدارس والجامعات:
تسعى المؤسسات التعليمية إلى تضمين محو الأمية الرقمية كجزء من المناهج الدراسية، وذلك لضمان أن الطلاب يمتلكون المهارات اللازمة للتعامل مع التقنيات الحديثة.
-
المبادرات الشبابية والمجتمعية:
يتم تنظيم العديد من المبادرات الشبابية والمجتمعية مثل ” ورش العمل الرقمية ” و” المخيمات التكنولوجية”، التي تستهدف تقديم تدريب مكثف في مجال التكنولوجيا والمهارات الرقمية.
تجارب مراكز ومنظمات لمحو الأمية الرقمية
توجد العديد من المبادرات الرسمية الناجحة لمحو الأمية الرقمية التي أطلقتها الحكومات والمنظمات الدولية حول العالم بهدف تعزيز المهارات الرقمية وتوفير فرص متكافئة للجميع للمشاركة في الاقتصاد الرقم، إليك بعض الأمثلة على هذه المبادرات:
1. مبادرة ” الألفية الرقمية ” (Digital Millennium) – الاتحاد الأوروبي:
تعد هذه المبادرة واحدة من أكبر المبادرات في أوروبا لتعزيز محو الأمية الرقمية، أطلقت في إطار “استراتيجية أوروبا 2020″، وتهدف لتحسين المهارات الرقمية لجميع المواطنين، وتطوير البنية التحتية الرقمية في دول الاتحاد الأوروبي، تشمل برامج تدريبية، ودورات تعليمية مجانية، ودعم للمشروعات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
2. مبادرة “التمكين الرقمي للمجتمع” – الإمارات العربية المتحدة:
أطلقت وزارة تنمية المجتمع في الإمارات مبادرة ” التمكين الرقمي للمجتمع ” التي تهدف إلى تمكين فئات المجتمع من استخدام التكنولوجيا بشكل فعال، تستهدف هذه المبادرة الشباب وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال تقديم برامج تدريبية حول استخدام التطبيقات الذكية والمنصات الرقمية.
3. مبادرة ” مهارات المستقبل ” (SkillsFuture) – سنغافورة:
تركز مبادرة “مهارات المستقبل” في سنغافورة على إعداد المواطنين لمتطلبات سوق العمل الرقمي من خلال برامج تدريبية موسعة في مجالات التكنولوجيا والابتكار الرقمي، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأمن السيبراني.
4. مبادرة “الأكاديمية الرقمية” – مصر:
أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر مبادرة “الأكاديمية الرقمية” لتوفير التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا للشباب المصري، تشمل المبادرة دورات تعليمية متخصصة في البرمجة، والذكاء الاصطناعي، والتسويق الرقمي، وتحليل البيانات.
5. مبادرة “التحول الرقمي للجميع” – كندا:
أطلقت حكومة كندا مبادرة ” التحول الرقمي للجميع ” بهدف تعزيز المهارات الرقمية لدى جميع فئات المجتمع، تركز المبادرة على تقديم تدريب رقمي للفئات المهمشة مثل النساء والشباب والأقليات العرقية.
دور المجتمع المدني في محو الأمية الرقمية
المجتمع المدني، بما يشمله من منظمات غير حكومية وجمعيات خيرية ومبادرات مجتمعية، يلعب دوراً حيوياً في جهود محو الأمية، هذه المؤسسات تعتمد على الجهود المحلية والمشاركة المجتمعية لتحسين مستويات التعليم والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، إليك كيف يسهم المجتمع المدني في محو الأمية الرقمية:
-
تقديم برامج تعليمية وتدريبية:
تقوم العديد من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية بإطلاق برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى تحسين المهارات الرقمية للأفراد، تشمل هذه البرامج ورش عمل ودورات تدريبية حول استخدام الحواسيب، والتطبيقات الرقمية.
-
إنشاء مراكز تعليمية ومكتبات رقمية:
يعمل المجتمع المدني على إنشاء مراكز تعليمية ومكتبات رقمية توفر للأفراد فرصة الوصول إلى موارد تعليمية وتدريبية، تقدم هذه المراكز توفير الوصول إلى الإنترنت للأفراد الذين لا تتوفر لديهم هذه الخدمات في منازلهم.
-
تنظيم حملات توعوية:
يعمل المجتمع المدني على تنظيم حملات توعوية تهدف إلى رفع مستوى الوعي حول أهمية المهارات الرقمية، تشمل هذه الحملات ورش عمل، وندوات، وحملات إعلامية تركز على فوائد محو الأمية الرقمية.
-
تشجيع الابتكار الرقمي:
يعمل المجتمع المدني على تشجيع الابتكار الرقمي من خلال دعم المبادرات التي تهدف إلى تطوير تطبيقات وأدوات جديدة تساهم في تحسين عملية التعلم وتعليم التكنولوجيا.
-
تحسين الوصول إلى التمويل:
تقوم بعض المنظمات بتوفير التمويل والمساعدات المالية للأفراد والمبادرات التي تهدف إلى تحسين المهارات الرقمية، من خلال تقديم المنح والدعم المالي.
مبادرة مسارات نموذج لدعم التعليم رقمياً في منطقة الشمال السوري
تعاني سوريا من أزمة عصيبة ممتدة منذ سنوات طويلة، أثرت بشكل مباشر وسلبي جداً على قطاع التعليم، وأدت لانقطاع ما يقارب من 2.4 مليون طفل عن الدراسة، مما جعل الاحتياج لمبادرات دعم التعليم احتياج حقيقي ومرتفع جداً، ولتلبية هذا الاحتياج انطلقت مبادرة مسارات التعليمية منذ عام 2019 م
مسارات مبادرة تعليمية مجانية، تقدم خدماتها بشكل مجاني تماماً، واستفاد منها أكثر من 31322 طالب وطالبة حتى اليوم، وهم يتلقون تعليمهم بأعلى مستوى من الجودة.
تعمل مسارات عبر نظام تعليم رقمي، وتقدم المعرفة عن بعد لطلّابها عبر تطبيق مايكروسف تيمز، الذي يقدم تجربة تعليمية تفاعلية بين الطلّاب والمعلمين ..
ونحن على أبواب العام الدراسي الجديد، استقبلت مسارات دفعة جديدة من الطلّاب الراغبين باستكمال تعليمهم، تضم هذه الدفعة عدد كبير من المنتسبين الجدد مما يدل على ثقة المجتمع الكبيرة بجودة العملية التعليمية التي تقدمها مسارات، وأثر قصص النجاح الرائعة التي حققتها مسارات مع طلّابها ..
لذا ندعوكم لتكونوا شركاء في هذا النجاح، ومساهمين حقيقيين في دعم إيصال الحق في التعليم لكل طلاب الشمال السوري المتأثرين سلباً من الظروف الصعبة..
ساهموا أنتم أيضاً في تعليم الأطفال السوريين، وشاركوا في تملّكهم لحق المعرفة من خلال دعم حملة توفير التعليم للطلاب النازحين في سوريا، لتستطيع مسارات الاستمرار في تقديم خدماتها بأعلى جودة، ومساعدة الطلاب في الشمال السوري لإتمام مسيرة تعليمهم، ليكونوا بناة المستقبل القادم لمجتمعهم وأمتهم.
بقلم : آلاء شاهين / بتصرّف