في العام 2018 تم تهجير بما يعادل 25 شخصاً كل دقيقة، وقد وصل عدد المهجرين في هذا العام وحده إلى 13 مليوناً بسبب الصراع والاضطهاد حول العالم بحسب تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون الاجئين.
يتبين لنا من هذه الإحصائية إلى أي مدى كان تأثير النزوح واللجوء على التعليم، أي أن هناك صفوفاً بأكملها تخلّفت عن الدراسة واتجهت لطرقٍ أخرى غير مرغوبة ربما ومضرة في أغلب الأحيان.
مقال مدونة مسارات يتحدث عن تفاصيل تأثير النزوح واللجوء على التعليم وآثاره النفسية والاجتماعية وسُبُل تخطيها.
التحديات التعليمية للنازحين واللاجئين
من القضايا الشائكة التي واجهت اللاجئين السوريين في بلاد المهجر، قضية التعليم والتحديات التي رافقت رحلتهم في العودة إلى مقاعد الدراسة، حيث تشابكت عدة مصاعب حالت دون إكمال المراحل الدراسية بيُسر.
الحواجز اللغوية
من تأثيرات النزوح والتهجير في التعليم هي الحواجز اللغوية، فهي من أبرز العقبات التي عرقلت عملية اندماج الأفراد المنقطعين عن التعليم في الأنظمة التعليمية للدول المُضيفة، عندما يجدون أنفسهم في بيئات تعليمية تتحدث لغات غير مألوفة بالنسبة لهم وأيضاً تتطلب وقتاً واجتهاداً لتعلمها من أجل دراسة المناهج المفروضة في الدولة.
في تقرير صادر عن وزارة التعليم التركية، ورد فيه أن هناك قرابة مليون و30 ألف طالب سوري في سن الدراسة في تركيا إلا أن العدد لم يلتحق كاملاً في المدارس فقد تخلّف عن ذلك بنسبة تصل إلى 65% منهم بقيوا خارج المنظومة التعليمية.
نقص الموارد
نقص الموارد غالباً ما يعاني منه النازحين داخل سوريا، في بعض المناطق التي شهدت ويلات كبيرة من الحرب بالقصف والاشتباكات والتهجير، تسبب ذلك في خروج عدد من المدارس في المنطقة عن إطار العمل.
بالتأكيد أدى ذلك إلى تسرب عدد كبير من الطلاب من المدرسة بسبب نقص الموارد من مدارس صالحة لتكون بيئة للتعلم أو غياب الكوادر التعليمية المؤهلة ممن غيّبهم التهجير القسري خارج سوريا. هنا يأتي دور المبادرات التعليمية مثل مسارات في سد هذه الفجوة من خلال توفير برامج تعليمية مرنة تتيح للطلاب النازحين فرصة متابعة دراستهم رغم الظروف الصعبة.
كما أن المشكلة لم تترك السوريين خارج البلاد، فقد طالت الطلاب الذين هاجروا خارج سوريا رغم توفر المدارس في البلدان المهجرين إليها، إلا أن المشكلة تكمن عندهم في ضعف الحالة الاقتصادية التي أجبرت الأهالي إلى عدم إدخال أولادهم المدارس وممارسة حقهم في التعلم، إما لعدم قدرتهم على توفير المستلزمات الدراسية أو إلحاق أولادهم الذكور بسوق العمل والكدّ في الليل والنهار لتأمين لقمة العيش بدلاً من أن يكون في مقعد دراسيّ بإحدى المدارس يكتب ويقرأ ويحلم بمستقبله المُنير.
الانقطاع الدراسي
أسفرت حالات النزوح والتنقل عبر الحدود في السنوات الأخيرة عن فجوة تعليمية ملحوظة بين الطلاب، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى فترات الانقطاع المطولة عن الدراسة، إضافةً إلى الآثار النفسية السلبية الناجمة عن الصدمات والمشاهد الضاغطة التي تعرضوا لها، فقد فاقمت من شدة المعاناة وسببت صعوبة في التكيّف من جديد مع المدارس والتعلم.
عملنا في مسارات على تقليل تأثير فترات الانقطاع الدراسي عبر تقديم برامج تعليمية مخصصة للطلاب النازحين تساعدهم في العودة إلى التعلم بسهولة.
التنقل وعدم الاستقرار
لا يزال النزوح المؤقت قائم ما بين بلدة وبلدة وخيمة وأخرى، حالة عدم الاستقرار هذه لا تترك للفرد خياراً غير الاستسلام والانصياع للأمر الواقع ونسيان المدرسة ومقاعدها وكل ما يتعلق بها، وإن قرر الأهل إلحاق أطفالهم في المدارس كل مرة إلا أن هذا الوضع ليس بالأمر الهيّن إنما تأثيره بالغ على الطالب على الصعيد النفسي وأيضاً في المستوى الدراسيّ له.
الأوراق الثبوتية
في المتعارف عليه أن كل مدرسة تطلب من الأفراد المُسجلين بعض الأوراق الثبوتية والشهادات التي تُثبت مستواهم التعليمي، لكن مع اللاجئين الأمر يختلف فقد كانت رحلة التهجير ليست خياراً مرغوباً وخروجهم من ديارهم بأريحية، بل الأمر كان أشبهاً بالهروب السريع قبل أن يُدركه الموت.
حيث خرج الأهالي بثيابهم فقط، إما هرباً من شدة القصف أو من تحت أنقاض بيتهم المدمر بفعل الصواريخ المتفجرة، وممن حالفهم الحظ واستطاعوا إخراج أوراقهم معهم قد فقدوا بعضاً منها برحلة اللجوء عبر الحدود والبحار.
التأثير النفسي للنزوح على الطلاب وتأثيره على الأداء التعليمي
عندما يخرج الإنسان من بلده والحرب مشتعلة يظن أنه نجا وانتهى الأمر، لكنه نسيَ أنه يحمل في نفسه وقلبه وسائر جوارحه ما يُذكره بمرارة أيامه السابقة.
التأثيرات النفسية تُدرك الفرد في كل نواحي حياته وعلى جميع الأصعدة بدءاً من روتينه اليوميّ وعلاقاته الاجتماعية وأهمها هو تعليمه والتحاقه بالمنظومة التعليمية من جديد، لأنها يمكن أن تؤثر بشكل كبير وتسبب له من الانعزال الاجتماعي وصعوبات التعلم والخوف الناجم عن المشاهد القاسية ما لا يُطيقه وربما يدفعه إلى الامتناع عن التعلّم بشكلٍ دائم.
تأثير النزوح واللجوء على التعليم وأداء الطالب في المدرسة
- التأثير النفسي والصحي: يتعرض الطلاب النازحون لاضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب وصعوبة التكيّف نتيجة الصدمات والنزوح القسري، يُمهّد ذلك إلى عدم استقرارهم العاطفي وهشاشة صحتهم النفسية وضعف قدرتهم على التركيز والتعلم، ربما تجده يتشتت بسهولة وكثير السرحان يبدو أنه يركز ولكن ذهنه شارد في عالم آخر.
- ضعف الأداء الأكاديمي: يواجه هؤلاء الطلاب صعوبات في الفهم والاستيعاب بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية، الأمر الذي يؤدي إلى تدني التحصيل الدراسي وصعوبة متابعة الدروس بفعالية.
- التكيف الاجتماعي والتواصل: يجد الطلاب صعوبة في بناء علاقات مع زملائهم الجدد، وهذا ما يأخذهم أكثر للشعور بالعزلة والانطواء ويؤثر سلباً على مهاراتهم الاجتماعية وتفاعلهم داخل الفصل الدراسي، راه حيناً يعاني من الخجل الزائد أو صعوبة الابتعاد عن والدته، وحيناً آخر يعاني من التوتر في أبسط المواقف، لا يرغب في اللعب ويعاني من ثقة متدنية في النفس.
- التسرب المدرسي: يزداد خطر التسرب المدرسي بين الطلاب النازحين نتيجة غياب بيئة تعليمية مستقرة، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي تدفع بعضهم إلى ترك التعليم والانخراط في سوق العمل.
- اضطرابات السلوك والانضباط: يعاني بعض الطلاب من ردود فعل سلوكية مثل العدوانية أو الانسحاب الاجتماعي نتيجة التوتر النفسي، ما يقود إلى مشكلات انضباطية داخل الصفوف الدراسية.
- ضعف الدعم النفسي والتعليمي: يواجه العديد من الطلاب النازحين نقصاً في الدعم النفسي والتربوي، وهو يقلل من قدرتهم على مواجهة التحديات التعليمية ويؤثر على ثقتهم بأنفسهم وحافزهم الدراسي.
- ضعف اللغة وصعوبة التعلم: يتعرض الطلاب النازحون الذين انتقلوا إلى دول أو مناطق جديدة تحديات لغوية تعيق فهمهم للمناهج الدراسية ليزيد من حجم الفجوة التعليمية بينهم وبين زملائهم.
- قلة الأنشطة الترفيهية: يعاني الطلاب النازحون من غياب المساحات الآمنة للعب والاسترخاء بالرغم من شدة أهمية تواجدها في الحصص الدراسية لينتج عن ذلك عدم التوازن في استقرارهم العاطفي والذهني.
مسارات رغبت بأن تقدم جزءاً من أعمالها في ما يخص الدعم النفسي والاجتماعي حيث سعيت إلى إرشاد الطلاب وذويهم من خلال جلسات إرشادية، كما أنها تقدم مسار الأنشطة الطلابية الذي يركز على صقل مهارات الأفراد وتأهيله ليستطيع إكمال تعليمه ومواكبة سوق العمل.
استراتيجيات مبتكرة لتوفير التعليم المستدام
لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي أما هذا الكم الهائل من الصعاب بسبب تأثير النزوح واللجوء على التعليم، لا بُدّ والبحث عن استراتيجيات إصلاحية ربما اتُبعت في دول أخرى عانت من الحروب أو استراتيجات أقرها المتخصصون تناسب واقعنا، هنا سنذكر عدة استراتيجيات مُجدية لتوفير تعليم مستدام:
- دمج الدعم النفسي والاجتماعي في التعليم والتعلم: إن وعينا بأهمية الدعم النفسي والاجتماعي في عملية التعلم سنرى أن الأمر أكبر من تأمين مكان تعليمي ومعلم وقلم ودفتر، بل نحتاج إلى أن نعمل على إعادة تأهيل الأفراد نفسياً واجتماعياً ليتمكنوا من استيعاب الدراسة والتفاعل مع البيئة التعليمية.
- البيئة التعليمية المحفزة: من بين الاستراتيجيات المبتكرة توفير بيئة تعليمية تشجع على التفاعل والتعلم النشط، ويُمكن تحقيق ذلك من خلال اعتماد أساليب تعليمية مثل التعلم القائم على المشاريع، حيث يتعاون الطلاب لحل مشكلات واقعية لترسيخ مفاهيم الاستدامة في الممارسات التعليمية، كما يُعَد التعلم التعاوني وسيلة فعالة لتعزيز عملية التواصل وبناء المهارات الاجتماعية.
- الاستفادة من التكنولوجيا: استخدام الأدوات الرقمية والتقنيات الحديثة مثل منصات التعليم التفاعلي للوصول إلى موارد تعليمية وإمكانية استكمال مراحلهم الدراسي حيثما توقفوا.
- تدريب المعلمين: من الضروري تدريب المعلمين على استخدام أساليب تدريس تفاعلية وتوجيه الطلاب نحو التفكير النقدي وحل المشكلات المتعلقة بالاستدامة، مع التركيز على ضرورة إلمام المعلم بالجوانب النفسية المتضررة لدى الطالب ومراعاتها وتخليل الإرشادات النفسية اللازمة ضمن العملية التعليمية.
- دمج مفاهيم الاستدامة في المناهج: يجب أن تتضمن المناهج الدراسية مواضيع تزيد من الوعي البيئي والاجتماعي والاقتصادي لتشجيع الطلاب على تبني ممارسات مستدامة في حياتهم اليومية.
- تشجيع الأنشطة المجتمعية: المشاركة في مشاريع مجتمعية تُلزم الطلاب باستدامة تطوير مهاراتهم الاجتماعية، والعمل على ذلك يكون بالأنشطة التي تتطلب تعاون جماعي تطوعي من حملات تطوعية أو ورش عمل وغيرها من الأساليب التي تعمل على إعطاء الطالب قيم نبيلة تحثُّه على المسؤولية المجتمعية.
- التواصل مع الخبراء: استضافة متحدثين متخصصين في قضايا التنمية المستدامة توفر للطلاب رؤى عملية تُحفزهم على الانخراط في مبادرات مجتمعية تبعث على تحقيق السلام المجتمعي.
قصص ناجحة لتعليم النازحين
قصص كثيرة أثبتت أن التعليم هو السلاح الأوحد لإرساء الأفراد على طريق الصواب، في مبادرة مسارات عشنا مع طلابنا قصصاً كثيرة تحاكي هذه اللحظات ما بين يأسٍ وأمل.
من بين هذه القصص هي قصة منى بعمر الـ27 سنة وهي أم لطفلتين، كانت تعيش في خيمة وظروف حياتية صعبة منها تجربة الانفصال عن زوجها وأيضاً فقد إخوتها المعيلين لها وتحملها لإعالة أسرتها بمفردها.
لكن كل هذا لم يكن سبباً لأن تقف مكتوفة الأيدي بدون أن تسعى منى لطلب العلم والمعرفة وإعادة توجيه مسارها للاتجاه الصحيح، لهذا عزمت على أن تعود لمقاعد الدراسة من أجل تحسين مستوى حياتها وضمان استقلاليتها.
استطاعت منى الوصول لمبادرة مسارات لدعم التعليم، ومن هنا انطلقت لتبدأ حياتها بهمّة لا تراجع فيها لتساعد بِنتيها وتكون معيلة لهما، بعد انقطاع دام 10 سنوات، هدفها اليوم هو أن تكمل تعليمها حتى النهاية وأن تعيش حياة كريمة مع طفلتيها وأمها.
الآن منى حصلت على الشهادة الإعدادية وتسعى لنيل الشهادة الثانوية، في هذه القصة العظيمة لم تكن مسارات إلا جسراً ووسيلة تحققت من خلالها الغاية النبيلة من أجل تمكين المرأة في المجتمع بالتعليم الرقمي، فقد أبدت مسارات تعاونها وكان للمساهمين الدور الأكبر في دعم هذا التعاون وتوسيع دائرة المستفيدين ممن يسكنون المخيمات، وتبيان أثر الاستثمار في التعليم.
التعليم الرقمي أنقذ آلاف النازحين في سوريا من الانقطاع عن التعليم بعد أن كادوا يفقدون الأمل بالعودة للمدرسة، ومسارات أمنت كل ما يلزمهم حتى يستطيع الأفراد الاندماج في الدراسة من جديد والتفوق فيها.
مسارات أفضل مبادرة للتنمية والتعليم المستدام في سوريا
لم تكن مسيرة مسارات في دعم التعليم المستدام بسوريا خالية من التحديات إنما واجهت صعوبات كغيرها من المبادرات الطموحة، لكن بفضل إيمان المساهمين برؤية مسارات النبيلة وتكاتف الجهود المخلصة، تم تجاوز هذه العقبات وتدفق الدعم المادي والمعنوي وتضافرت الخبرات والكفاءات لتذليل الصعاب وتعبيد الطريق نحو تحقيق الأهداف وإعادة الإعمار بالتعليم.
مسارات وفرت التعليم الرقمي المرن، وتعدت ذلك إلى تقديم الدعم النفسي والمعنوي للأفراد الذين عانوا من ويلات النزوح والتهجير، إذ لم يكونوا بحاجة إلى دروس في الرياضيات والعلوم فحسب، فهم بحاجة إلى من يمسح دموعهم ويخفف آلامهم ويعيد إليهم الأمل في غد أفضل.
خصصت مسارات فرقاً من المتخصصين النفسيين لتقديم الدعم اللازم للأطفال، من خلال جلسات فردية وجماعية وأنشطة ترفيهية وتربوية، كما لم تغفل أهمية الإرشاد الأكاديمي في مساعدة الطلاب على اختيار التخصصات الجامعية التي تناسب قدراتهم وطموحاتهم.
ووفرت لهم مستشارين متخصصين يقدمون لهم النصح والتوجيه، ويساعدونهم على اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن مستقبلهم.
بهذه الجهود المتكاملة استطاعت مسارات أن تمنحهم فرصة جديدة للعودة إلى مقاعد الدراسة، والمضي قدماً نحو تحقيق أحلامهم.