مع تطور التكنولوجيا وتوسع الاهتمام بالاستكشاف الفضائي، أصبح من الضروري تحديد الحدود بين الأرض والفضاء. يعتبر خط كرمان واحدًا من أكثر الأسس العلمية المعترف بها لتحديد هذه الحدود، والذي يلقى الضوء على الفاصل بين البيئة الأرضية والمجال الكوني الخارجي.
سنوضح في هذه المقالة حدود الفضاء من خلال تحليل خط كرمان وأثره، تاريخه وأبعاده العلمية والقانونية، والتحديات العلمية والتقنية في تحديده.
ما هو خط كرمان؟
خط كارمان هو خط وهمي يفصل الغلاف الجوي للأرض وبداية الفضاء الخارجي ويقع على بعد 100 كيلومتر عن سطح الأرض، ويعتمد تحديد خط كارمان على الواقع المادي، فهو يشير إلى الارتفاع الذي لم تعد الطائرات التقليدية قادرة على الطيران فيه بشكل فعال، وذلك بسبب تغير القوانين الفيزيائية التي تحكم قدرة المركبة على الطيران.
ورغم امتداد الغلاف الجوي فوق خط كارمان فإن الهواء يصبح رقيقا للغاية في تلك الأماكن المرتفعة. وبالتالي فإن أي شيء يسافر فوق خط كارمان يحتاج إلى نظام دفع لا يعتمد على قوة الرفع الناتجة عن الغلاف الجوي للأرض
تاريخ خط كارمان وتطور فكرة الحدود بين الأرض والفضاء
إن تحديد المكان الذي يبدأ فيه الفضاء بالضبط يمكن أن يكون أمراً صعباً إلى حد ما، لأن الغلاف الجوي للأرض لا ينتهي فجأة، بل يصبح أرق على ارتفاعات أعلى، مما يعني عدم وجود حدود عليا محددة.
وكان المهندس وعالم الفيزياء ورائد الفضاء ثيودور فون كارمان، قد اقترح أن الحافة الأكثر منطقية للفضاء ستكون قرب. المكان الذي تتجاوز فيه القوى المدارية القوى الديناميكية الهوائية، مقرراً أن 100 كيلومتر كانت حدوداً جيدة.
ورغم أن اسمه مرتبط الآن بحدود الفضاء، فإن فون كارمان نفسه لم ينشر هذه الفكرة أبدا. فقد جاء طرح عمله الأصلي نتيجة نقاش في مؤتمر ما، وقد قام أندرو غالاغر هالي، أول ممارس لقانون الفضاء في العالم، بنشر أول بحث كامل حول حدود الفضاء في أوائل الستينيات. وذلك بعدما طبق معايير فون كارمان بشكل أكثر تحديدا، وحدد الحدود الفعلية للفضاء بحوالي 84 كيلومترا فوق سطح الارض.
ويعتبر المجتمع بما في ذلك الاتحاد الدولي للطيران أن الفضاء يبدأ عند خط كارمان أي عند 100 كيلومتر، أما وكالة الفضاء الامريكية ناسا فيبدأ الفضاء على ارتفاع حوالي 80 كيلومتر.
أبعاد قانونية وعلمية لخط كرمان وتأثيرها على الاستكشاف الفضائي
وفقا للقانون الدولي، تنص معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في مجال استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي على أن “الفضاء الخارجي يجب أن يكون متاحا للجميع للاستكشاف والاستخدام”. ونظرا لوجود تعريفات مختلفة للمكان الذي يبدأ فيه الفضاء فعليا، فقد يؤدي ذلك إلى عدد من العواقب القانونية.
يتم تنظيم الحركة الجوية عادة على المستوى الدولي، حيث تسيطر الدول على المجال الجوي فوق أراضيها. وتجاوز ذلك قد يؤدي عن غير قصد إلى التسبب في صراعات دولية. لذا أصبح تحديد التمييز بين المجال الجوي للأرض والفضاء الخارجي ذا أهمية كبيرة، فالفضاء ملك للجميع بينما المجال الجوي هو ملك للدول المختلفة.
إن تعريف خط كارمان باعتباره الحدود غير المرئية حيث يبدأ الفضاء هو بالفعل جانب مهم فيما يتعلق بالسفر في الفضاء. حتى لو كان الارتفاع حيث يبدأ الفضاء محل جدل، فإن الفكرة التي يقدمها تحديد ارتفاع هذا الخط مفيدة في تعريف ما إذا كان شيئاً ما موجوداً في الفضاء أم في الغلاف الجوي للأرض، وينطبق الأمر على تعريف من هو رائد الفضاء فالشخص لا يحصل على رخصة رائد الفضاء إلا إذا مارس الطيران فوق هذا الخط.
لماذا لا يبدأ الفضاء عند انتهاء الغلاف الجوي؟
ووفقا لموقع “سبيس” يتساءل بعض الناس عما إذا كان من الأسهل تعريف الفضاء على أنه النقطة المطلقة التي ينتهي عندها الغلاف الجوي للأرض. ولكن هذا التعريف من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً.
إن السفر إلى ما وراء الغلاف الجوي سيأخذنا إلى ارتفاع حوالي 10 الآف كيلومتر فوق سطح الأرض إلى أعلى طبقة في الغلاف الجوي للأرض وهي الغلاف الخارجي.
حيث تدور محطة الفضاء الدولية حول الأرض على ارتفاع 400 كيلومتر وتدور الأقمار الصناعية حول الأرض على ارتفاع 1000 كيلومتر. مع حدود الفضاء عند هذا الارتفاع الجديد البالغ 10 آلاف كيلومتر لم تعد المركبات الفضائية والأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض (مركبة فضائية) ولن يطلق على أي زائر لمحطة الفضاء الدولية على سبيل المثال رائد فضاء لذا فإن أفضل الخيارات لبداية الفضاء هي 80 كيلومتر أو 100 كيلومتر عند خط كارمان.
التحديات العلمية والتقنية في تحديد الحدود بين الأرض والفضاء
يقول جوناثان ماكدويل، عالم الفيزياء الفلكية في مركز الفيزياء الفلكية في هارفارد، و سميثسونيان لموقع “بوبيولار ساينس“، إن بعض العلماء اقترحوا خصائص أخرى لتحديد الحدود بين الأرض والفضاء، مثل المنطقة الموجودة في مدار كوكبنا التي ينكسر فيها القمر الصناعي عند عودته، والتي تبين أنها تقع على علو الثمانينات إلى التسعينات من الكيلومترات من سطح الأرض.
ويتخذ مركز التحكم في مهمة ناسا نهجا مختلفا لتحديد بداية الفضاء. بدلاً من التركيز على الرفع الديناميكي الهوائي، تحدد وكالة الفضاء نقطة العودة إلى المجال الجوي للأرض من الفضاء الخارجي على أنها المكان الذي يصبح فيه السحب الجوي ملحوظاً على بعد حوالي 122 كيلومتراً.
ويقترح ماكدويل أن هناك حدوداً أخرى قد يأخذها البعض بعين الاعتبار لحافة الفضاء. أحدها هو حد أرمسترونغ، الذي سمي على اسم هاري جي أرمسترونغ، وهو طبيب أميركي في طب الفضاء الجوي، وهو الارتفاع الذي يغلي عنده دم الإنسان إذا لم يكن محميا من الضغط الجوي المنخفض ببدلة فضائية.
باعتبار أن خط كرمان يمثل الحدود بين الأرض والفضاء، يظل هذا المفهوم حجر الزاوية في استكشافنا المستمر للكون المحيط بنا. فهو ليس مجرد خط تقني، بل يحمل في طياته تحديات علمية وتقنية، ويطرح أسئلة قانونية وأخلاقية حول استخدام واستكشاف الفضاء.
مع تقدم التكنولوجيا وزيادة الاهتمام بالفضاء، فإن فهمنا لخط كرمان وأثره على حياتنا وعلى العالم من حولنا يزداد أهمية. ويشكل تحديًا مستمرًا للباحثين والمهندسين وصناع السياسات لاستكشاف المزيد من أعماق الفضاء وفهمه بشكل أفضل رغم التحديات التي تواجهنا في تحديد هذه الحدود.
الكاتب: أ. أسامة الخضر مدرس مادة الجغرافيا في مبادرة مسارات