حماية البيئة تبدأ من ممارسات بسيطة في حياتنا اليومية، فمنذ طفولتنا كنّا نجمع المهملات من مدرستنا مع زملائنا أو حتى في الحديقة العامة مع عائلتنا، ولم نكن نفهم حينها الأثر الحقيقي لهذا الفعل البسيط لكننا أدركنا لاحقاً أن هذه التجربة وغيرها من التجارب التعليمية، شكلت وعينا البيئي وحفزتنا على المساهمة في حماية الكوكب والحفاظ على البيئة، وهذا ما يُمكن أن يفعله التعليم بأن يُلهم الأفراد بالسلوكيات الإيجابية وتطبيقها.
حينها نتساءل، هل يُمكن لكتاب أو درس أو تجربة علمية أن تُنقذ كوكب الأرض؟ قد يبدو الأمر مبالغاً فيه لكن الحقيقة هي أن التعليم يمتلك قوة هائلة لتغيير المفاهيم والسلوكيات وبالتالي التأثير بشكل جذري على مستقبل الكوكب، فكيف يُمكن للتعليم أن يُساهم في حماية البيئة وبناء مجتمعات مُستدامة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذه المقالة من مسارات.
أهمية حماية البيئة وبناء المجتمعات المستدامة
يواجه عالمنا اليوم تحديات بيئية متزايدة من تغير المناخ إلى تلوث الهواء والمياه وتدهور التنوع البيولوجي، هذه التحديات تُهدّد استدامة الكوكب ورفاهية الأجيال القادمة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة وفعّالة.
لأن الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي يساهم في دعم النظم البيئية التي نعتمد عليها في الغذاء الصحي والماء والهواء النقي، والممارسات المستدامة تساهم في تقليل التلوث والحد من التغير المناخي.
ما هي الاستدامة؟
الاستدامة كما تعرفها لجنة الأمم المتحدة هي: “مفهوم يشير إلى استخدام الموارد بطريقة تلبي احتياجات الحاضر دون التأثير على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة”، يتضمن ذلك الحفاظ على التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والرفاهية الاجتماعية.
بمعنى آخر تسعى الاستدامة إلى تحقيق تنمية مستدامة تأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية للأنشطة البشرية.
ما هي أهمية حماية البيئة في بناء مجتمعات مستدامة؟
- تحسين الصحة العامة: ويعني تقليل التلوث البيئي الذي يساهم في خفض معدلات الأمراض المرتبطة بالبيئة لتحسين جودة الحياة وتقليل احتمالية الإصابة بالأمراض، بالهواء النظيف والماء النقي والبيئة الصحية.
- الحفاظ على الموارد الطبيعية: تساهم حماية البيئة في الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل المياه والمعادن والتربة والغابات، وضمان استمراريتها للأجيال القادمة.
- مكافحة تغير المناخ: دورحماية البيئة في مكافحة تغير المناخ من خلال تقليل انبعاثات الغازات الضارة الناتجة عن الأنشطة البشرية والحفاظ على التنوع البيولوجي.
- دعم الاقتصاد المستدام: يشجع الاستثمار في حماية البيئة على الابتكار والتطوير في القطاعات الاقتصادية وإيجاد فرص عمل جديدة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
- تحقيق العدالة الاجتماعية: تضمن المجتمعات المستدامة توزيعاً عادلاً للموارد والفرص بين جميع أفراد المجتمع وتراعي حقوق الفئات المهمشة.
- تعزيز الأمن الغذائي والمائي: تساهم حماية البيئة في الحفاظ على جودة التربة والمياه وضمان استدامة الإنتاج الزراعي والحيواني، وتوفير الأمن الغذائي والمائي للمجتمعات.
كيف نبني مجتمعات مستدامة؟
- التخطيط الحضري المستدام: تصميم المدن بطريقة تقلل من استهلاك الموارد وتحد من التلوث، مع توفير مساحات خضراء وبنية تحتية مستدامة.
- السياسات الداعمة: وضع سياسات وتشريعات تدعم الممارسات المستدامة وتحفز الابتكار في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.
- المشاركة المجتمعية: تشجيع مشاركة المجتمع في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتنمية المستدامة لضمان تلبية احتياجات الجميع.
- الوعي والتثقيف: نشر الوعي بأهمية حماية البيئة والاستدامة وتشجيع السلوكيات الصديقة للبيئة بين جميع أفراد المجتمع.
- الممارسات الفردية: تبني ممارسات صديقة للبيئة في حياتنا اليومية مثل ترشيد استهلاك الماء والكهرباء، وإعادة التدوير واستخدام وسائل النقل المستدامة.
في إطار جهودنا المستمرة لتعزيز التعليم وبناء مجتمعات مستدامة، أطلقت مسارات العديد من حملات التبرع التي تهدف إلى تمويل المشاريع التعليمية والتنموية في المناطق الأكثر حاجة من بينها حملة توفير التعليم للطلاب النازحين في سوريا التبرع لها يمثل فرصة مباشرة لبناء مجتمع مستدام من خلال التعليم.
ما هو دور المبادرات التعليمية في بناء المجتمعات المستدامة؟
نحثُّ على أهمية الاستثمار في التعليم بالتوجيه السليم للطلاب بالمعرفة وتربية الأفراد على الوعي والحكمة، لأن غياب هذه التربية يؤدي إلى ضياعهم في أمواج الجهل والتهور، كما فعلت مبادرة مسارات بتزويد الطلاب أثناء تعلمهم الاعتيادية بعض السلوكيات والأخلاقيات التي تساهم في السلام المجتمعي.
تطوير المناهج التعليمية لتعزيز الاستدامة
يتطلب التعليم المستدام تكاملاً بين الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لأجل وعي الأفراد حول القضايا العالمية والمحلية ويساهم في بناء مجتمعات أكثر عدلاً واستدامة، يمكن تحقيق ذلك من خلال تضمين مفاهيم الاستدامة في المناهج التعليمية والأنشطة الدراسية وتشجيع الطلاب على اكتساب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات المتعلقة بالاستدامة.
دور المعلمين في تحقيق التنمية المستدامة
إن كانت المناهج تتضمن مفاهيم الاستدامة، فإن الدور الأبرز لنقل هذه المفاهيم وترسيخها في سلوكيات وأخلاقيات الطالب يعتمد على دور المعلم في عملية تحقيق التنمية المستدامة في التعليم، حيث يقع على عاتقهم مهمة توجيه الطلاب نحو تحقيق الأهداف المرجوة من خلال تبني ممارسات تعليمية مبتكرة ومستدامة.
يتضمن ذلك تنظيم مشاريع بيئية ومبادرات مجتمعية وورش عمل وحملات توعية بيئية داخل المدارس والجامعات، مثل زراعة الأشجار وحملات إعادة التدوير والانضمام إلى فرق الحفاظ على البيئة، هذه الأنشطة لا تزرع فقط شعوراً بالمسؤولية البيئية لدى الطلاب بل تشجعهم أيضاً على المشاركة الفعّالة في الممارسات المستدامة.
وعن هذا الحديث نذكر أن في مسارات نوفر مسار الأنشطة الطلابية الذي يدعم الطلاب في بناء عقلية تفكر بشكل أساسي أن بناء أنفسهم، تأثيره يمتد على المجتمع ككل في تطوره ونمائه، وقد نفذّنا مشاريعنا المثمرة في عدة مناطق في الشمال السوري من خلال حملات أطلقناها لدعم التعليم، تبرع الآن لإعادة الإعمار بالتعليم.
كيفية دمج مفاهيم الاستدامة في المناهج الدراسية
دمج مفاهيم الاستدامة في المناهج الدراسية خطوة مفصلية لإعداد جيل واعٍ وقادر على مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. لتحقيق ذلك يمكن اتباع الاستراتيجيات العملية التالية:
1- تضمين مفاهيم الاستدامة في المواد الدراسية:
يجب إدراج موضوعات مثل تغير المناخ وإدارة الموارد والتنوع البيولوجي والطاقة المتجددة في المناهج التعليمية، هذا يساعد الطلاب على فهم تأثير الأنشطة البشرية على البيئة وأهمية الحفاظ عليها.
2- تطوير أنشطة تعليمية تفاعلية:
تصميم أنشطة تعليمية تعتمد على ميثاق الأرض وهو إعلان لمبادئ أخلاقية رئيسية لبناء مجتمع دولي ينعم بالعدل، والاستدامة والسلام في القرن الواحد والعشرين.
الأنشطة مثل طرح أسئلة تحفز التفكير النقدي وتربط بين التنمية المستدامة وموضوع الدرس، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل ومشاريع عملية تعزز المشاركة والتعاون بين الطلاب، بمثال بسيطة على هذه الأنشطة أن تطوّر ألعاباً تعليمية تركز على مفاهيم الاستدامة، مثل ألعاب المحاكاة التي تتطلب من الطلاب اتخاذ قرارات تؤثر على البيئة والمجتمع وتساعدهم على فهم العواقب المترتبة على تلك القرارات.
3- تدريب المعلمين على مفاهيم الاستدامة:
توفير برامج تدريبية للمعلمين لتعزيز فهمهم لمبادئ التنمية المستدامة وكيفية دمجها في التدريس، لتمكينهم من توجيه الطلاب نحو ممارسات مستدامة.
4- تعزيز التعلم القائم على المشاريع:
تشجيع الطلاب على المشاركة في مشاريع تتناول قضايا الاستدامة المحلية، مثل إعادة التدوير والحفاظ على المياه والزراعة العضوية لتطبيق المفاهيم النظرية في الواقع العملي.
5- إنشاء شراكات مع منظمات بيئية:
التعاون مع منظمات غير حكومية ومؤسسات بيئية لتقديم ورش عمل ومحاضرات تثقيفية وتنظيم رحلات ميدانية تعزز الوعي البيئي لدى الطلاب.
6- استخدام التكنولوجيا لتعزيز التعلم المستدام:
توظيف الموارد الرقمية والتطبيقات التعليمية التي تركز على قضايا الاستدامة، لتوسيع مدارك الطلاب بطرق مبتكرة وجذابة.
7- الدراسة المستقلة والتدريب:
وهذه الطريق تصلُح لطلاب الجامعات، بتحفيزهم على متابعة اهتماماتهم في مجال الاستدامة من خلال مشاريع مستقلة أو تدريب عملي في الحرم الجامعي أو المؤسسات البيئية.
8- الرحلات الميدانية والمؤتمرات:
تشجع الرحلات الطلاب على رؤية تطبيقات الاستدامة على أرض الواقع، مثل زيارة مصانع إعادة التدوير أو مواقع زراعية، كما تُعد المؤتمرات فرصة للتعلم والتواصل مع المهنيين وتقديم أبحاث الطلاب الجامعيين.
9- إشراك المتحدثين والمتخصصين:
يمكن تعزيز تعليم الاستدامة عبر دعوة ممارسين وخبراء لإلقاء محاضرات أو عقد ورش عمل، لتسهيل رؤية الطلاب عن كيفية تطبيق مفاهيم الاستدامة في الحياة المهنية.
بتنفيذ هذه الاستراتيجيات يمكن للمؤسسات التعليمية أن تساهم بفعالية في بناء مجتمعات مستدامة من خلال تزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات اللازمة لحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة،
ومن هذا المنطلق، تسعى مبادرة مسارات إلى تعزيز هذه الجهود عبر إطلاق حملات دعم متنوعة تهدف إلى توفير الموارد اللازمة لتنفيذ المشاريع التعليمية والتنموية.
حملة دعم النساء السوريات من خلال التعليم هي إحدى الحملات البارزة التي تهدف إلى تمكين النساء من التعليم من أجل فرص متساوية للتعلم والنمو. تبرع الآن في دعم بناء مجتمع مستدام يساهم فيه كل إنسان قادر على إحداث تغيير.
مسارات للتنمية والتعليم المستدام في سوريا
تعمل مبادرة مسارات بكفاءة من خلال تعاونها مع مختلف الجهات المحلية والدولية، هذا التعاون يسهم في تطوير برامج تعليمية متكاملة تهدف إلى بناء مجتمع أكثر تماسكاً وقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
من خلال هذه الشراكات نسعى إلى توسيع نطاق الوصول إلى التعليم وتقديم فرص تدريبية متنوعة للطلاب تركز على المهارات الحياتية والمهنية التي تضمن لهم دوراً إيجابياً في المجتمع.
يتجسد هذا التعاون في مشاريع مشتركة مع منظمات دولية تهتم بتطوير قطاع التعليم في المناطق المتأثرة بالحروب، وكذلك مع المؤسسات المحلية التي تسعى لترميم البنية التحتية التعليمية.
هذا التنوع في الشراكات يضمن استدامة النمو والتطور ويبني قدرة الأفراد على مواجهة التحديات العالمية والمحلية في آن واحد، وبالتالي يساهم في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع السوري.