تجد المسلم يبذل من مائدته نصيباً، ومن ماله رزقًا، ومن قلبه دعوةً لمن لا يجد ما يُفطر به، في الأزقة والميادين وأمام المساجد وفي الحواري.
تتجلى هذه السنة العظيمة بين المسلمين، حيث يسبق بعضهم بعضًا ليحظوا بثوابٍ لا ينقطع وأجرٍ يمتد أثره في الدنيا والآخرة.
في شهر رمضان تمتد موائد عامرة بالعطاء، تُمدّ بسخاءٍ لمن ضاقت بهم سبل العيش في مشهد يفيض بالمحبة، حيث تُحمل الأطباق لا لمجرد إطعام البطون، بل لسدّ حاجة القلوب الجائعة للودّ والتراحم.
في هذا المقال من مسارات نحدثكم عن فضل إطعام الطعام في رمضان وأثره في الدنيا والآخرة.
فضل إطعام الطعام
إطعام الطعام من الأعمال التي ترقق القلوب، فهو بابٌ واسعٌ من أبواب الجود والكرم وطريقٌ مُمهدٌ لنيل مرضاة الله، حين يمتدّ الخير إلى مائدة جائع تتجلى قيم الرحمة في أبهى صورها، ويتبين الإحسان في نفوس المعطين قبل المحتاجين.
ولا عجب، فقد جعل الله هذا العمل سبباً لدفع البلاء ورفع الدرجات وجعل القائم به من أحبّ الناس إليه.
فضل إطعام الطعام في رمضان
إطعام الطعام له فضل عظيم في الإسلام وقد وردت في ذلك آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، تحث على بذل الطعام للمحتاجين والجائعين وتُبين ما في ذلك من أجر وثواب.
قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (الإنسان: 8)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصدقة إطعام الطعام”.
فيكون إطعام الطعام صدقةً عظيمة في شهر رمضان المبارك، فكم من بطنٍ جائعٍ تسدّه لقمة، فتكون تلك اللقمة سببًا في مغفرة الذنوب؟ وكم من يتيمٍ أو مسكينٍ لا يجد قوت يومه، فيأتيه رزقه من حيث لا يحتسب، فيرفع يديه بالدعاء لمن أطعمه؟.
المسكين قد يكون جاراً يخفي حاجته أو غريباً تقطعت به السبل أو شيخاً لا سند له، فحين تمتدّ يدُ العطاء إليه يشعر بكرامته تُصان وإنسانيته تُحترم ويفيض قلبه بالدعاء لمن أطعمه.
وقد جعل الله إطعام المسكين سبباً في رفع الدرجات وتكفير السيئات وإجابة الدعوات، وقد قرنها سبحانه في كتابه العزيز بأعظم العبادات، فقال: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد: 14-16).
فجعل الله من يطعم المسكين في ضيقته من أهل الفلاح والنجاة، وجعل جزاءه واسعاً في الدنيا قبل الآخرة.
ثمرات إطعام الطعام في الدنيا والآخرة
الخير الذي يُعطى في الدنيا يعود لصاحبه أضعافاً مضاعفة، فمن وهبَ اللقمة وواسَى المحتاج كان له نصيبٌ من البركة في عمره وماله وصحته، والمتصدق بإطعام الطعام يجد محبةً وقبولاً في قلوب الناس، إذ تنجذب الأرواح إلى من يجود بكرمه، فترتفع مكانته في مجتمعه ويُحاط بدعوات الصالحين والمساكين الذين سكنت جوعتهم بفضل عطائه.
أما في العمل فإن الله يُبارك للمنفق في رزقه، فيفتح له أبواب الخير ويُسدد خطاه ويفتح له مجالاتٍ لم يكن يتوقعها، فكما أن الصدقة تبارك في المال فإنها أيضاً تزرع أسباب النجاح والتوفيق في حياة صاحبها.
وفي الآخرة فإن جزاء إطعام الطعام أعظم وأكرم، إذ يُكتب لصاحبه ظلٌّ يوم القيامة حين يشتدّ الحر وتكون له موائد من نعيم الجنة جزاءً لما أعدّه للمحتاجين في الدنيا، يقول النبي ﷺ: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ)، فكيف بمن كان دأبه إطعام الطعام في الدنيا، يُسدّ به رمق الجائعين ويُطفئ به لهيب المسغبة عن المحتاجين؟ إنها تجارةٌ رابحة وسُبحة خير لا تنقطع، يجني صاحبها بركةً في دنياه ومقاماً كريماً في أخراه.
ساهم في حملة إطعام وتعليم أطفال المخيمات
أحاديث نبوية عن إطعام الطعام
جاء في الحديث النبوي الشريف: (أفضل الصدقة إطعام الطعام) رواه الترمذي، فهو من الأعمال التي يحبها الله ومن الأسباب التي ترفع صاحبها في الدنيا والآخرة.
كما قال رسول الله ﷺ: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي، فجعل إطعام الطعام ركنًا من أركان العبادات التي تُورث صاحبها الفردوس الأعلى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) رواه مسلم.
وورد أيضاً عنه أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) رواه الترمذي.
كيف تجمع بين فضائل الأعمال الصالحة في رمضان؟
هي أيام معدودة لذلك نسعى جهدنا فيها لنستثمرها كما يجب، نبحث عن الأجور في الأعمال الصالحة التي يرضى بها الله عنا في هذا الشهر المبارك.
نتلمس حاجات الفقير والمحتاج، ونسعى لنكون جزءاً من تلبيتها، لنمد له يد العون والمرحمة، بل ونبحث عن أكثر الناس احتياجاً، وغالباً ما تقودنا السبل لسكان وأطفال المخيمات، الذين اضطروا لترك بيوتهم ومدنهم ولجأوا إلى خيام لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، و ليعانوا من واقع صعب التحمل.
أطفال المخيمات هم الأكثر تأثراً بكل ذلك، يحرمون من التعليم ويعانون واقعاً اقتصادياً صعباً، لذلك نحاول أن نصل لهم من خلال خلال حملات تجمع بين التعليم والإطعام، فنغذي عقولهم بالمعرفة، وأجسادهم بما تحتاجه من أساسيات.
وندعوكم لتكونوا مساهمين مباشرين في هذا الخير العظيم، وخاصة في هذه الأيام المباركة التي تتضاعف فيها الأجور والحسنات، ولتكونوا أشبه ما يكون بالنبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فقد كان كالريح المرسلة في العطاء.