fbpx

مبادرة مسارات

محتوى المقال

ماذا لو استطعنا إيصال التعليم لجميع أفراد المجتمع؟

نعلم جميعاً أنّ مقياس تقدم الأمم مرتبط بشكل مباشر بنسبة المتعلمين بين أبنائها ولم يذكر التاريخ أمة ارتقت بين مصاف الأمم المتطورة دون أن يكون التعليم أهم الركائز التي ارتقت من خلالها، وهو ما يدفعنا للتفكير ملياً بالآليات التي يمكن اتباعها لإيصال التعليم إلى كل منزل في سوريا والعالم العربي أجمع، وبالتالي قطع شوط كبير في محاربة الأمية ونشر التعليم بين الناس.

 

إنّ تمكين الفرد ومنحه الأدوات المعرفية تمنحه تفوقاً وتميزاً بين أقرانه بغض النظر عن عمره أو بيئته التي نشأ فيها، فالتعلّم  قوة فعالة تصقل مهارات الفرد في كافة مناحي الحياة بغض النظر عن المهنة التي يمتلكها.

 

يمكنك أن تقارن ببساطة بين فنّي صيانة السيارات الذي يمتلك شهادة ثانوية وبين فني آخر لم يحصل على أي شهادة، ستجد أنّ الأدوات المعرفية التي امتلكها الأول مكنته ببساطة من قراءة الكتالوجات ودفاتر التعليمات، ومكنته من قراءة المؤشرات التي يتركها حاسوب الصيانة وبالتالي تمكن من مجاراة التطور الذي طرأ على المهنة خلال السنوات الأخيرة، بينما بقي الأول رهين المعلومات التي تلقاها من شيخ الكار والتي لا تتناسب أبداً مع الأنظمة الجديدة التي باتت منتشرة في كل دول العالم.

 

المثال الذي أوردناه يمكنك إسقاطه على غالب المهن والحرف والانطلاق منه باتجاه فرضية ماذا لو انتشر التعليم بين كافة فئات الشعب، لا بدّ من أن ننتقل يومها من فئة المجتمع غير فاعل إلى فئة المجتمع المنتج والمطور، فالحرفي المتعلم يمكنه ببساطة مواكبة آخر ما توصل إليه العلم وقد يتمكن من وضع لمسات إضافية بحكم خبرته الطويلة تمكنه من إحداث فارق في المجال الذي يعمل به.

 

لو اطلعت بشكل سريع على أحد المواقع المهتمة بتصنيف الدول المتفوقة من الناحية التعليمية لن تتفاجأ أبداً بالنتائج؛ فوجود كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة في المراتب الثلاثة الأولى عالمياً سيعزز من المفاهيم التي ذكرناها سابقاً في مخيلتنا، فالتطور الذي وصلت إليه تلك الدول في كافة مناحي الحياة الصناعية والصحية والهندسية لم يأتِ من فراغ أبداً بل كان حصيلة عمل طويل وجهد دؤوب في متابعة المجالات التعليميّة، وبناء القواعد والأسس السليمة التي مكنت أبناءها من التفوق في كافة المجالات التي يسلكونها فباتت صناعاتهم تغزو الأسواق وتتربع المراتب الأولى من ناحية الجودة والمتانة.

 

من باب الإنصاف لا يمكننا مقارنة تجارب تلك الدول مع الواقع السوري، فآخرهنّ انتهت من حروبها منذ نصف قرن وانشغلت ببناء الإنسان والقيم السليمة، بينما تفصلنا خطوات بعيدة عنهم، الأمر الذي يفرض علينا التركيز بشكل أكبر وتكريس كافة الجهود لاختصار المسافة وقطع أشواط بعيدة مستفيدين من تجارب مماثلة ومتجنبين الوقوع في أخطائها.

 

تنفق فلندا نحو 12% من ميزانية الدولة على مراحل التعليم وهو ما يضمن وصول التعليم المجاني لكافة فئات المجتمع بسوية واحدة بما فيها المرحلة الجامعية، وقد لمست الدولة أن الاستثمار في المجال التعليمي من أهم الاستثمارات التي حصدت نتائجها بسرعة كبيرة ووضعتها في مطاف الدول المتقدمة، بينما يصارع طلابنا للحصول على مقعد في مدرسة مدعومة يمكنها تقديم التعليم المجاني لهم طوال العام دون انقطاع أو تغيب من المدرسين، وهنا نلمس الفوائد العظيمة للتعليم عن بعد والذي وجد حلاً للانقطاع الدراسي وعجز الطلاب عن العثور على مدارس عامة مجانية أو خاصة يعجزون عن دفع أقساطها.

 

ومن هذا المنطلق عملنا في مبادرة مسارات خلال السنوات الثلاث الأخيرة بتنمية هذا المجال وتمكنا من الوصول لآلاف الطلاب المنقطعين عن الدراسة وإعادتهم للصفوف التعليمية من جديد، ما أحدث فارقاً في حياتهم العملية لا سيما أن المبادرة اعتمدت نمطاً مغايراً في إيصال التعليم لتلك الشرائح والتي تتفاوت أعمارهم ما بين 14 عاماً إلى 40 عاماً ومنهم من تجاوز ذلك، إذ سعت المبادرة لتمليكهم المعرفة التي تساعدهم على الانتقال لحياة كريمة من خلال التعليم، اعتمدت المبادرة في ذلك على مسارات أربعة، ناظمة لعملها وهي مسار التعليم المدرسي: الذي يمكّن الطالب من تحصيل الشهادات في سوريا “التاسع والثالث الثانوي بفرعيه الأدبي والعلمي” ما سيضعه على أبواب المرحلة الجامعية.

 

ومسار الإرشاد الأكاديمي الذي يرشد الطالب لاختيار تخصصه ثم مهنته التي تناسبه، فيما كان مسار الأنشطة الطلابية ركيـزة أساسية لتنمية جميع جوانب شـخـصيـة المستفيد الـعـقـليـة والثقافية والاجتماعية والنفسية والفنية، عن طريق مساحاته الحرة المليئة بالحوار والإثراء والعمل الجماعي افتراضياً أو ميدانياً، وأخيرا مسار التدريب المهني الذي نعمل على تأسيسه بغية اطلاقه في الفترة الزمنية القادمة ليتكامل مع باقي المسارات ويمنح الطالب القدرة على دخول سوق العمل الافتراضي المفتوح والمنافسة فيه بقوة.

 

إنّ تطوير مثل هذه التجارب وتوسيع عملها سيساهم بالوصول لأعداد مضاعفة من الطلاب خلال سنوات قصيرة وبالتالي تدارك الضعف الذي سيطر على الواقع التعليمي خلال السنوات الكثيرة الماضية، وتوجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح للنهوض بالبلاد بهمة أبنائها.

 

عبد الرزاق ماضي – مدير علاقات المساهمين في مبادرة مسارات 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شارك المحتوى عبر:

محتوى المقال