وسائل الدفاع الأولية هي آليات نفسية تستخدمها الأفراد بشكل غير واعٍ أو غير مباشر لحماية أنفسهم من المشاعر غير المرغوب فيها أو التهديدات النفسية.
تعد وسائل الدفاع النفسية من طبيعة عقلنا، حيث يحاول الإنسان التكيُّـف في محاربة المشاعر التي قد تكون مؤذية أو صادمة له. من الممكن أن يستخدم هذه الآليات لتجنب المشاركة في موقف محرج، أو لتقليل المضاعفات على نفسه، أو لحماية صورته الذاتية، وتظهر للأشخاص سلوك مختلف حين تواجههم ظروف تنطوي على الخطر أو توقع الخطر.
والاختلافات في هذا السلوك لا يكون اختلاف في خبرات الأشخاص فحسب، بل يكون اختلاف في الظروف نفسها، وفي المركبات المتنوعة التي ينطوي عليها لا شعور كل شخص، وفي القدرات وسمات الشخصية المتعددة والدوافع المختلفة عنده.
سنناقش في هذا المقال كيف تستخدم وسائل الدفاع النفسية لحماية الذات من الضغوط والمشاعر السلبية. تعرف على الأنواع المختلفة من آليات الدفاع وكيف تؤثر على تصرفاتنا وتفاعلاتنا اليومية في مواجهة التحديات.
معنى وسائل الدفاع النفسية
إن الظروف التي تواجه الشخص بخطر واقع، أو خطر يتوقع حدوثه، كثيرة ومتنوعة، والخطر نفسه على أشكال فيما يبدو عليه أمامنا: بعضها بسيط مثل بعض أنواع التحدي، وبعضها شديد ومعقد يمس كيان الشخصية في الأعماق، ورد الفعل الذي يتخذه الشخص أمام ظروف من هذا النوع مختلف:
١- فقد يتخذ الفرد إجراءاته لتقوية نفسه من أجل مواجهة الخطر
٢- قد يستسلم حين لا تكفي وسائله
٣- قد يحاول تخفيف الضغط الداخلي الناجم عن الشعور بالخطر.
٤- قد يلجأ إلى وسائل دفاعية أخرى.
من أجل ذلك نقول عن وسائل الدفاع النفسية إنها مختلفة. ولكن بينها قاسماً مشتركاً على الأقل وهو غرضها الأساسي: إنه الدفاع عن الذات في وجه نوعا ما من أنواع الخطر يهددها.
لقد ظهرت فكرة الدفاع واضحة عند فرويد في أوائل كتاباته، وقد ذكر فيها إن الذات تأخذ موقفاً دفاعياً حين لا تستطيع الرد على المؤثر داخلياً كان أم خارجياً، وألح هنا على مكانة اللاشعور في هذا الموقف إلحاحاً خاصاً.
قال فرويد: الدفاع ظاهرة نفسية واضحة، وهو يهدف إلى حماية الذات مما يؤلمها أو يهددها. والموقف الدفاعي يظهر على أشكال يكون الكبت واحداً منها.
لذا وسائل الدفاع النفسية تشير إلى مجموعة من أشكال السلوك التي يلجأ إليها الفرد في سعيه وراء إشباع حاجة وجد ما يعيقها، أو مواجهة خطر واقع، أو مواجهة خطر متوقع.
أشكال وسائل الدفاع النفسية
الكف
يعد الكف أول آلية دفاعية بسيطة، وهو في الواقع ظاهرة من ظواهر حياتنا اليومية، إننا لا ننتقل من فعالية لأخرى انتقالاً فجائياً إلا على أساس الكف عن الأولى والسير في الثانية، ويكون الكف بهذا المعنى إيقاف الفعالية المنظمة التي تقوم بها العضلات من أجل تنفيذ غرض ما للبدء بفعالية منظمة أخرى.
وهذا ما يحدث مثلاً عند الطالب الذي يكون في باحة المدرسة وقت الاستراحة وفي حال قرع الجرس للدخول فيدخل وهو يغني وحين يتفاجأ بوجود المعلم يقوم بتغيير سلوكه.
ولا يشترط في الكف أن يكون عضلياً، بل يمكن أن يكون عقلياً، فالذي يُصاب بإحباط مفاجئ يظهر متوقفاً فجأةً عن الاستمرار في سير محاكماته، ويبدو لحظة وكأنه غير قادر على تمييز شيء أو التفكير به. ومثل ذلك من يجابه مؤثراً خطراً بشكل مفاجئ.
الكظم
ويعني الكظم الضغط المقصود لدافع يعتبر ظهوره مصدر خطر فيما يتصل بالفرد، والكظم سلوك دفاعي ذو مكانة خاصة في حياتنا الاجتماعية، مثل صمت الفرد أمام إساءة أحد الأشخاص حفاظاً على شخصيته ومكانه في حين أن بداخله منزعج.
وكثيراً ما ننظر إليه على إنه رمز «قوة الإرادة» أو «قوة الشخصية»، وإنه وسيلتنا إلى الارتفاع والارتقاء والتسامي، وهو يحتل من هذه الناحية مكانة خاصة من حيث تعبيره عن ظاهرة أخلاقية.
وما شروط المجتمع واحترام الآخرين؛ وتقدير الآخرين لنا والخبرات التي نكتسبها بصمتنا، والخطر الذي قد نجلبه لأنفسنا في حين الرد بالمثل كل هذه الأمور تشكل جانباً من جوانب الكظم.
وأود الإشارة هنا إلى أن هذه الوسائل سوية وليست شاذة وقاعدتها في اللاشعور لكنها ليست لاشعورية بالكامل.
النكران
تظهر آلية الدفاع أحياناً على شكل نكران للواقع الذي يسبب وجود التوتر لدى الشخص، ويظهر ذلك في حياة الطفولة، فالطفل الذي لا يستطيع تحمل الألم الناجم عن فقد أمه أو غيابها يميل إلى إنكار ذلك الواقع، والإعلان عن أنها لم تذهب بل إنها موجودة في الغرفة الأخرى.
يكثر الالتجاء إلى هذا النوع من آليات الدفاع في مرحلة الطفولة، ولكنه يقل تدريجياً مع ازدياد القدرة على تمييز الواقع وحدوده، ويقل استعماله في حياة الراشد ويبدو في الحالات العاطفية الشديدة التي تجد الذات فيها أنها تستطيع بالنكران الدفاع عن نفسها أمام خطر الهدم.
ولكن الأم التي فقدت ابنها وراحت ترعى الدمية التي كان يفضلها على إنها رمز له، ثم انتهت إلى نكران موت ابنها وإلى اعتبار الدمية أمامها كما لو أنها الابن، تقدم لها الغذاء والرعاية هذه الأم تكون قد انتهت إلى اضطراب نفسي تحتاج فيه إلى العناية.
الكبت
ويعني هذا إنه قادر على السيطرة على دوافع غريزية قوية تبقى أمامها كل الوسائل الأخرى غير مثمرة، ثم إنه الوسيلة الأكثر خطراً؛ إذ إنه يستطيع يضع أغلال حول الشخصية، مثل كبت الفرد لمشاعره العدوانية في مجتمع يسوده السلام، و كبت المشاعر الجنسية في مجتمع يمنع الحديث فيها.
والكبت وسيلة دفاع أو آلية تكيف، إنه يختلف عن النكران من حيث أننـــا لا ننكر وجود مؤثر يؤدي عندنا إلى التوتر، بل نعمل على إخفاء حالة تظهر شعورنا ويختلف الكبت عن الكظم:
- فالتهديد الذي يوجه إلى الذات أشد في حالة الكبت منه في حالة الكظم.
- وارتباط الدافع بالقوى الغريزية أقوى في حالة الكبت وأكثر عمقاً.
- والديمومة بشأن ما نكتمه أطول في حالة الكبت مما هو في حالة الكظم.
- ثم إن المركبات التي ترافق حالة الكبت أكثر وأعمق مما يمكن أن يوجد مع حالات الكظم.
والكبت آلية تحايل وليس وسيلة بناء. إنه لا يحل مشكلة في واقع الأمر، بل يعمد إلى حصرها في إطار.
الإضفاء أو الإسقاط
يظهر الإضفاء أو الإسقاط أكثر الأحيان في إلقاء اللوم على الآخرين فيما يتصل بأخطاء نرتكبها نحن، أو تقصير يبدو عندنا.
فالتلميذ يلقي اللوم على المعلم أحياناً، أو على تركيب السؤال، في الدفاع عن نفسه أمام الفشل في الامتحان، ويظهر الإضفاء في حالة أخرى، فكثيراً ما يعزو الإنسان إلى غيره صفات توجد عنده ولا يحبها، أو بواعث موجودة لديه يكره وجودها، ويحاول جهده إخفائها عن الناس.
فقد نجد البخيل يتهم غيره بالبخل، والجبان يتهم غيره بالجبن. وما ذلك إلا لإسقاط صفاته غير الحميدة على غيره وما هي إلا وسيلة لتعزيز مكانة الذات وكسب احترام الآخرين.
إلا أن لإضفاء جانبه الخطر، فقد يبلغ إلقاء اللوم على الآخرين درجة يصبح الشخص معها ملقياً دائماً اللوم على الحظ، أو تآمر الآخرين، أو القوى الخفية فيما يقع له أو عليه من سوء.
التبرير
ويعرف التبرير بالتسويغ أي محاولة «عقلنة» السلوك أو تفسيره بأسباب تبدو معقولة ومقبولة أمام الآخرين بينما تكون الأسباب الحقيقية انفعالية.
ويظهر كذلك حين يلجأ الشخص لمثل هذه الوسيلة الدفاعية أمام فشله في الحصول على أمر كان يتمنى الحصول عليه وكان يسعى إليه.
الشخص الذي ارتكب خطأ ونسأله بلوم عن فعلته فيقول: أنه لم يكون هو ذاته أي أن لم يكن بوعيه ولا يدري كيف حصل ذلك وفعل تلك الفعلة.
إن الذات هنا في حالة دفاعية فهي ترغب في أن تكون مطمئنة وبعيدة عن الصراعات الداخلية المؤلمة، ويكون التبرير وسيلة دعم الذات في إنهاء الصراعات والمناقشات.
والواقع إن التبرير يؤدي وظيفته الدفاعية من جهتين:
1- هو يساعد الشخص على «عقلنة» ما يقوم به في حدود ما يعتقد به وفي وجه ما يعتقد به الآخرون.
2- يساعد على تخفيف حدة الإحباط فيما يتصل بالأهداف التي لا يستطيع الشخص الوصول إليها.
إن التبرير وسيلة دفاع أولية تساعد على التخفيف من شدة تأثير الإحباط، ولكن من الممكن فيه الوصول إلى درجات لا تكون إلى جانب استواء الشخصية.
يصبح الشخص قابلاً للتصديق بالكثير من الأدلة غير الصحيحة، وقد يقوده ذلك إلى اعتناق اعتقادات خاطئة، وقبول الكثير من أشكال الهذيان رغم ما ينطوي عليه كل منها من تناقض.
التقمص
يميل الأشخاص إلى التقمص في عدد من مناسبات حياتهم مثل تقمص شخصية آخر أو فئة ما. في حين نسأل أحدهم ما اسمك؟ فيقول أنا فلان ولا يتوقف عند هذه الإجابة الكافية؛ بل يقول أنا فلان وأعمل مثلاً مع مبادرة مسارات.
والتقمص يعني في النهاية أننا ننزع إلى المماثلة مع غيرنا حين تكون الصفات المتوافرة لديهم، مما هو غير موجود لدينا، أو مما نرغب كثيراً في أن يكون لدينا.
إنه حال الابن الذي يتقمص صفات أبيه المعجب بها، وهو حال البنت التي تتقمص صفات أمها التي تقدرها كثيراً. إنه سلوك دفاعي يحتل مكانة هامة في إبراز نزوعا إلى إظهار الكفاية واحتلال مقام اجتماعي خاص.
ولكن حاله يشبه حال أكثر أشكال الدفاع الأولية الأخرى من حيث إنه يؤدي إلى أخطار التطرف. فكثيراً ما نرى التقمص في حالات الذهان، ومنه تقمص شخصية نبي، أو بطل، أو عبقري مات منذ أجيال.
عزيزي القارئ هل مررت بواحد من وسائل الدفاع النفسية السابقة؟ لكن أعلم أنها وسائل تدل على سلوك سوي وليست بالشاذة، لكنها تأخذ منحى المرض عندما تتطور لدى الفرد.
الكاتب: أ. محمود السلوم قائد مسار التعليم المدرسي في مبادرة مسارات