مفهوم التنمية المستدامة من أبرز المفاهيم التي تبلورت خلال العقود الأخيرة، وهو يشير إلى التوازن بين تلبية احتياجات الحاضر، دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة.
أصبحت التنمية المستدامة أمراً حيوياً لتحقيق مستقبل آمن، وهي تمتلك إطارًا شاملاً يتمثل في نموذج الاستدامة (البيئي، الاجتماعي، والاقتصادي)، لذلك تحتاج إلى رؤية شاملة لتحقيقها، وفيها تحديات كبيرة لكل اقتصاد معاصر.
في هذا المقال سنتطرق لمفهوم التنمية المستدامة، وأسسها، وأنواعها، ومتطلباتها، ومجالاتها، ومعوقاتها، ومسارات تطبيقها..
ما هو المقصود بالتنمية المستدامة؟
ارتبط مفهوم التنمية المستدامة بتعريفات و معاني مختلفة، وأصبح مصطلحاً شائعاً في خطابات التنمية.
المعنى الأكثر شيوعًا للمفهوم هو الذي اقترحه تقرير لجنة برونتلاند (Schaefer & Crane، 2005)، حيث يعرّف التقرير التنمية المستدامة بأنها ” التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي، دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتهم الخاصة “، و تتطلب هذه التنمية تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، عن طريق آليات يمكن من خلالها للمجتمع أن يتفاعل مع البيئة دون إتلاف الموارد، والحفاظ عليها للمستقبل.
وبالتالي، فهي نموذج تنموي، و مفهوم يدعو إلى تحسين حياة الإنسان دون الإضرار بالنظم البيئية والذي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات مثل تغير المناخ وانقراض الأنواع، و تهدف التنمية المستدامة إلى القضاء على الفقر، وحماية البيئة، و ضمان الحياة المريحة للجميع.
أسس التنمية المستدامة ومقوماتها
باعتبار التنمية المستدامة مفهوم تنموي مستقبلي، فهي تركز على التحول الإيجابي الذي يستند إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لذلك فإنها ترتكز على ثلاث أسس رئيسية:
1- الاستدامة الاقتصادية: تعني الاستدامة الاقتصادية نظام إنتاج يلبي مستويات الاستهلاك الحالية، دون المساس باحتياجات المستقبل، وتهدف لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، يقوم على تحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص عمل مناسبة للجميع، ولا بدَّ أن يكون هذا النمو متوازناً ليضمن وصول الفائدة لكل فئات المجتمع.
2- الاستدامة الاجتماعية: تشمل مفاهيم العدالة، والتمكين، والوصول، والمشاركة، وتهدف لتعزيز العدالة الاجتماعية، والتقليل من الفروقات بين فئات المجتمع، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يرزح 29.2% من السكان تحت مشكلات الفقر متعدد الأبعاد، والذي يشمل الرعاية الصحية، مستويات المعيشة، ونقص التعليم الذي يعاني منه الآلاف من الطلاب في مخيمات الشمال السوري على سبيل المثال، لذلك نسعى في مبادرة مسارات إلى إيصال حق التعليم لكل طالب، آخذين بيده مجدداً إلى طريق العلم والمعرفة التي تصنع مستقبله.
3- الاستدامة البيئية: تتعلق بالبيئة الطبيعية، وكيفية مراعاتها والحفاظ عليها، لتبقى منتجة تدعم الحياة البشرية، وتهدف الاستدامة البيئية إلى حماية الموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع البيولوجي، وسلامة النظام البيئي.
ما هي أنواع التنمية المستدامة؟
التنمية المستدامة بمفهومها الواسع تشير إلى البرامج والمبادرات التي تهدف للحفاظ على مورد معين، لكنها فعلياً تتمحور حول أربعة مجالات متميزة: الإنساني، والاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي، وهي أعمدة الاستدامة الأربعة:
1- الاستدامة البشرية: تركز الاستدامة البشرية على أهمية الإنسان وقيمته، وتسعى لتطوير المهارات والقدرات البشرية لدعم وتعزيز رفاهية المجتمعات ككل.
الحفاظ على رأس المال البشري في المجتمع وتحسينه، والاستثمار في أنظمة الصحة والتعليم، التغذية، والمعرفة، جميعها برامج تندرج تحت مظلة الاستدامة البشرية، لذلك وإيماناً من مبادرة مسارات بأهمية التعليم والمعرفة وأنهما حق للجميع، فقد أولينا اهتماماً بالغاً بالمشاريع التعليمية التي تستهدف فئة الطلاب في مخيمات الشمال السوري والذين تضرروا من الناحية التعليمية بشكل كبير، جرّاء ما تعانيه المنطقة منذ سنوات طويلة.
2- الاستدامة الاجتماعية: تسعى الاستدامة الاجتماعية للحفاظ على التوازن الاجتماعي من خلال مفاهيم قيّمة مثل التماسك، والمعاملة بالمثل، والصدق، وأهمية العلاقات بين الناس، يمكن تعزيز ودعم الاستدامة الاجتماعية من خلال القوانين، الأفكار المشتركة حول المساواة والعدل، وحق الجميع في العيش بمستوى حياة لائق، لذلك نهتم في مبادرة مسارات بمشاريع كفالات الطلاب التي تهدف لمساعدتهم على إكمال تعليمهم وتكوين حياتهم الاجتماعية كما يرغبون.
3- الاستدامة الاقتصادية: التنمية الإقتصادية المستدامة هي أكثر من مجرد النمو الاقتصادي، لأن نوعية النمو مهمة في الاستدامة بقدر الكم، ولأنها تهدف للحفاظ على الموارد الاقتصادية سليمة، مع تحسين مستوى المعيشة لكل فرد في المجتمع.
4- الاستدامة البيئية: هي التنمية التي تُعنى بحماية البيئة من الملوثات وغيرها من الأمور الضارة، التي تؤثر على مواردها الطبيعية، يمكننا أن نقول عن المبادرات والبرامج بأنها مستدامة بيئيّاً، في حال كانت تضمن تلبية احتياجات السكان دون خطر الإضرار بالبيئة الطبيعية.
متطلبات تحقيق التنمية المستدامة
تحقيق التنمية المستدامة يتطلب توافر عدة متطلبات متكاملة فيما بينها حتى تؤتي التنمية المستدامة ثمارها المرجوة:
1- الإطار القانوني: وجود قوانين وتشريعات تدعم التنمية المستدامة، و تشمل هذه القوانين حماية البيئة، حقوق العمال، وتشجيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة.
2- التخطيط الاستراتيجي: أن تكون الأهداف مبنية لتتحقق على المدى الطويل، مما يستلزم وضع خطط واستراتيجيات طويلة الأمد، تحقق نتائج أفضل في مجالات التنمية المستدامة.
3 – التوعية والتثقيف: تكثيف الجهود التوعوية حول مفهوم التنمية المستدامة، أهميتها، طرق تنفيذها، المسؤولية المشتركة التي تشمل كل فرد في المجتمع تجاهها، حتى تتمكن برامج التنمية من التحقق بمجهودات الأفراد الذين هم غاية التنمية ومادتها الأساسية.
قضايا التنمية المستدامة الأساسية
تتضمن التنمية المستدامة مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية:
1- الفقر: تهدف التنمية لإنهاء الفقر بجميع أشكاله وأبعاده، وهذه القضية في التنمية تتوجه للفئات الأكثر ضعفاً، لتأمين حصولها على الموارد والخدمات الأساسية، ودعم المجتمعات المتضررة من الكوارث الطبيعية، والنزاعات التي تؤثر شكل سلبي عليها، لذلك اهتمت مبادرة مسارات بالوصول إلى فئات الطلاب الأكثر تضرراً من الأوضاع السيئة التي تعاني منها الشمال السوري، والعمل على استفادتهم من مشاريع كفالات الطلاب.
2- الجوع: تهدف التنمية المستدامة لإنهاء جميع أشكال الجوع وسوء التغذية، والتأكد من حصول جميع الناس وبشكل خاص الأطفال، على الأغذية الكافية والمغذية على مدار السنة.
3- الصحة: التنمية المستدامة في مجال الصحة تسعى لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، وتوفير سبل الحصول على الأدوية واللقاحات الآمنة بأسعار معقولة للجميع.
4- التعليم: التعليم الجيد هو أحد أكثر الوسائل قوةً وثباتاً في تحقيق التنمية المستدامة، لذلك فإن ضمان حق التعليم للجميع، يكفل أن يكمل جميع الطلاب والطالبات التعليم الابتدائي والثانوي بشكل مجاني، كما يهدف إلى توفير فرص متساوية للحصول على التدريب المهني، وتحقيق حصول الجميع على تعليم عالي الجودة.
وانطلاقاً من هذه القضية فإن مبادرة مسارات تسعى بشكل حثيث لتكون مشاريعها التعليمية سبباً في حصول جميع الطلاب المنقطعين عن الدراسة في الشمال السوري على حقهم بالتعليم المناسب المستمر.
بالإضافة لما سبق فإن التنمية المستدامة تتضمن أيضاً قضايا متعددة كالعدالة الاجتماعية، المساواة بين الجنسين، وتغير المناخ، والمياه، والصرف الصحي، والطاقة، والبيئة .
مجالات تطبيق التنمية المستدامة
التنمية ليست مجرد ثروة مادية تتضاعف وتتكاثر، لكنها استراتيجية تنموية متواصلة عبر الأجيال المتعاقبة، وحركة مجتمع بأسره متكاملة في مجالات العلم والمهارات والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من القيم الرفيعة من أجل تحسين مستوى معيشة الأفراد.
وعليه فإن تطبيق التنمية المستدامة يكون في مجالات متعددة، منها:
1- المجال البشري والمجتمعي: والذي يركز على أن الإنسان هو جوهر التنمية، وهدفها النهائي، ويعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والحقوق ومكافحة الفقر، بحيث يحافظ الإنسان على آدميته، وحقه الطبيعي بالعيش في بيئة اجتماعية سليمة، مع كفالة حقه العادل من الثروات الطبيعية، والخدمات الاجتماعية، والحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، لذلك فإن مبادرة مسارات متخصصة في المجال التعليمي الذي هو حق أساسي لكل طالبة وطالب تأخر فيه بسبب الظروف المحيطة به.
2- المجال الاقتصادي: و هدفه التخفيف من ظاهرة الفقر، والحد من التفاوت في توزيع الدخل، وتقليل الفوارق بين الفقراء والأغنياء، وذلك بتوجيه السياسات الاقتصادية والتحسين من توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة.
3- المجال البيئي: ويقصد به توعية الأفراد بالبيئة و بالعلاقات القائمة بين مكوناتها، و بتكوين القيم والمهارات البيئية وتنميتها، ليكون الإنسان رفيقاً مهتماً بالبيئة.
بالإضافة لعدة مجالات تندرج تحت التنمية المستدامة مثل الطاقة المتجددة، الزراعة المستدامة، التخطيط العمراني، الأمن الغذائي، الطاقة النظيفة، وغيرها الكثير
ما هي معوقات التنمية المستدامة؟
رغم محاولات دول العالم لوضع الحلول المتعلقة بتحقيق التنمية، إلا أن هناك معوقات للتنمية المستدامة متمثلة في النقاط التالية:
1- الزيادة في الكثافة السكانية التي تعمل على إعاقة التنمية المستدامة.
2- الانتشار الواسع للفقر بين الدول النامية والغنية أيضاً نظراً لتدهور الحالة الاقتصادية.
3- الانتشار الواسع للحروب والنزاعات الذي أثر على استقلال الكثير من البلدان، وتعتبر سوريا من البلاد الأكثر تضرراً من هذه النزاعات، لذلك فإن موارد التنمية المستدامة فيها تكاد تكون معدومة، مما أثّر بشكل سلبي جداً على الحالة التعليمية خاصة في الشمال السوري، ولذلك اهتمت مبادرة مسارات بشكل خاص بالمجال التعليمي، وأنشأت العديد من المشاريع التعليمية للطلاب المتأخرين عن الدراسة، ومشاريع كفالات الطلاب، وكل ما يدعم المجال التعليمي.
4- تدنّي مستويات الإمكانيّات التقنية والخبرات الفنيّة وتراجعها، نظراً لتوجّه العقول المفكّرة نحو الهجرة إلى الدول المتقدمة، الأمر الذي يعود بالسّلب على خطط التّنمية.
5- القصور في التخطيط، حيث تستلزم التنمية اعتماد نهج وخطط، وتستدعي تفاعلًا متعدد التخصصات، يشمل جميع الوزارات ذات الصلة التي تعمل في وقت واحد معًا، لإتمام عملية التخطيط بطريقة متكاملة.
6- تعرض مناطق كثيرة على مستوى العالم للظروف المناخية القاسية.
مسارات للتنمية المستدامة في سوريا
بعد سنوات متواصلة من الأوضاع السيئة التي تعاني منها سوريا، تواجه اليوم تحديات كبيرة جداً في مجالات التنمية، بسبب تدهور البنى التحتية، وشح الموارد المادية والبشرية التي هي أساس تحقيق التنمية، لذلك فإن تحقيق التنمية المستدامة في سوريا يحتاج لتكثيف الجهود، والدعم من كل الجهات حتى تتمكن من التطور الإيجابي ولو بشكل بطيء.
لذا فإن مبادرة مسارات أخذت على عاتقها العمل في مجال التعليم الذي يعتبر من أهم مجالات التنمية المستدامة، وفي الشمال السوري أعداد كبيرة جداً من الطلاب المنقطعين عن الدراسة، الذين يستفيدون من مشاريع المبادرة ومساراتها التعليمية ..
بحسب العديد من المنظمات العالمية، لا يقتصر التعليم الجيد فقط على توفير المادة التعليمية، بل يحتاج إلى تعاون مجتمع مُتكامل، وهو عمليّة طويلة الأمد، تحتاج بذل الجهود العظيمة لإنشاء بيئة تعليم صحيّة قادرة على استثمار القدرات والطّاقات الكامنة لدى المتعلمين والمعلمين، وتوجيهها في المكان الصحيح.
ولعلّ واحدة من أهم العقبات التي يواجهها قطاع التعليم في الشمال السوري هي عدم حصول الفئات اليافعة على الخدمات التعليميّة اللازمة، بسبب الأزمة التي تشهدها المنطقة منذ سنوات طويلة، مما تسبب بخروج نحو 2,5 مليون طفل من إطار التّعليم في المدارس.
لكل ما سبق وإيماناً من مبادرة مسارات بحق كل طالب بالحصول على أفضل مستوى من التعليم الذي يضيف له قيماً مهمة، ويملّكه المهارات الحياتيّة الأساسيّة لينطلق نحو المستقبل وهو مستعد لسوق العمل وتحدياته الكبيرة، فإن المبادرة تسعى بكل مقدراتها، وكوادرها البشرية من أجل تحقيق هذا الهدف عن طريق العديد من المسارات مثل التعليم المدرسي، والأنشطة الطلابية، والإرشاد الأكاديمي، والتدريب المهني التي تشكل مشارب مختلفة تصب كلها في مصلحة الطالب وارتقائه حياتياً ودراسياً.
وقد حققت المبادرة الكثير من قصص النجاح الرائعة، التي يمكنكم أن تكونوا جزءاً منها من خلال المساهمة بدعم مشاريعها التعليمية القائمة، والتي يستفيد منها آلاف الطلاب والطالبات، الراغبين بإتمام تعليمهم على أكمل صورة
مساهمتكم في هذه المشاريع تساهم في بناء الإنسان، اللبنة الأولى التي نبني من خلالها المجتمعات والأمم، فكونوا معنا على طريق الخير لنصنع فرقاً..