تتردد كثيرا في جلساتنا المسائية مع الأصدقاء أو العائلة جملة “احترم جيناتك يا أخي” أو “للجينات التأثير الأكبر أيضا” حينما نحاول أن نبرر إصابة شخص ما بمرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وفي أحيان كثيرة نثنيه عن همته في التخلص من الوزن الزائد لأنه يحمل تاريخاً عائلياً بالسمنة، وبالوقت نفسه لاحظنا توجه الكثير من الممثلات إلى استئصال الرحم أو الثدي بعد اختبار تحليل الحمض النووي والتأكد من وجود الجينات المسؤولة عن الإصابة بهذه الأورام السرطانية.
جيناتنا تحمل مصيرنا المرضي وتحدد جودة حياتنا وصحتنا
في الحقيقة هذا من أعقد الأسئلة التي طرحها علماء الوراثة، إلا أنه هناك عامل يؤثر تأثيراً مباشراً في عملية التعبير الجيني والإصابة بالمرض من عدمه، لا تحكمه الجينات وحدها بل الجينات وعوامل البيئة، لا أقصد فيها درجة الحرارة ومعدل الرطوبة والمواسم فحسب بل تشمل:
- النظام الغذائي
- مستويات الأكسجين
- الحالة النفسية للفرد.
أي للعوامل المحيطة تأثير كبير على صحتنا الجسدية فكلما كان التأثير إيجابي كلما انعكس على صحتنا بطريقة إيجابية وترجمها جسدنا بخلوه من الأمراض المزمنة.
هل تؤثر البيئة على الجينات
نعم، البيئة لها تأثير كبير على الجينات وطريقة تعبيرها، وهذا ما يُعرف بمفهوم الوراثة الظرفية (Epigenetics). هذا المفهوم يشير إلى التغييرات في التعبير الجيني التي لا تنطوي على تغييرات في تسلسل الحمض النووي نفسه، ولكن عن طريق تعديلات كيميائية تؤثر على هيكل الكروموسومات وكيفية وصول الآليات الخلوية إلى الجينات.
تشمل العوامل البيئية التي يمكن أن تؤثر على الجينات:
- النظام الغذائي والتغذية: بعض العناصر الغذائية يمكن أن تؤثر على العمليات الجينية وتعديلات الحمض النووي، مثل ميثيلة الحمض النووي، التي تؤثر على التعبير الجيني.
- التعرض للملوثات: ملوثات الهواء والمواد الكيميائية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات جينية قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض معينة.
- التعرض للضغوط: الضغوط النفسية والجسدية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في التعبير الجيني التي قد تؤثر على الصحة العقلية والجسدية.
- الضغوط البيئية: مثل الحرارة والبرودة، وكذلك الضوء والظلام، يمكن أن تؤثر على كيفية تعبير الجينات.
- التفاعلات الاجتماعية ونمط الحياة: العلاقات الاجتماعية والنشاط البدني يمكن أن يكون لهما تأثيرات ملموسة على التعبير الجيني.
هذه العوامل البيئية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات دائمة أو مؤقتة تؤثر على الصحة الجينية ويمكن أن تنتقل أيضاً إلى الأجيال القادمة في بعض الحالات.
تأثير البيئة على النباتات
حيثُ ينطبق على جميع الكائنات الحية لننظر مثلا لمحاصيل القمح بعد موسم الجفاف، كيف تظهر شكل البذرة مجعدة ورفيعة، وقد تكون مصابة بأمراض فطرية أو بكتيرية، وإذا ما فحصت عينة من هذا المحصول في المختبر لقياس كمية المواد الغذائية لوجدته مفتقرا لأهم البروتينات والعناصر الغذائية المهمة التي ستكون ضمن معدلاتها الطبيعية لولا موسم الجفاف هذا.
أكدت الأبحاث أن جنس بعض أنواع الزواحف يتأثر بدرجة الحرارة إذا ما كانت مرتفعة أو منخفضة وهذا ينفي الاعتقاد المعروف أن تحديد الجنس يعتمد على الجينات لا على عوامل البيئة.
وعليه أثبت الأبحاث مؤخرا أن البيئة لا تؤثر على النمو والصحة للكائن فحسب، بل تؤثر أيضا على تنشيط بعض الجينات أو تثبيطها، فقد تمتلك الجينات الممرضة ولكنك ولسبب تأثير عامل البيئة لم تنشط عندك هذه الجينات.
بالطبع قد تنتصر الجينات في بعض الأحيان لكن والخلاصة أنا وأنت ونحن لدينا دور في الحفاظ على صحتنا خالية من الأمراض المزمنة بل والخطيرة منها، بما نستطيع التحكم به من صحتنا النفسية والتغذوية واتباع أسلوب حياة صحي سليم.
أهم النصائح لتعزيز االأثر الإيجابي للعوامل البيئية
وهذه بعض النصائح التي يمكنك اتباعها لتفعيل التأثير الإيجابي لعوامل البيئة:
- تجنب التدخين لما له من أثار ضارة على الصحة
- تناول طعام صحي خالي من السكريات والزيوت
- النوم بمقدار كافٍ حيثُ يساعدك على استعادة نشاطك
- تجنب التوتر والحالة النفسية السيئة لارتفاع هرمون الكورتيزول
- ممارسة التمارين الرياضية ولو لمدة قصير ولكنه ينعكس بإيجابية على صحتك
وعليه فإن فهم التأثير المتبادل لكل من البيئة والجينات على حياتك يساعدك في اتباع نمط حياة صحي ويشكل وعياً أكبر ومسؤولية اتجاه جسدك وصحتك بشكل عام.
الكاتب: د. آية عوض قائد مسار الإرشاد الأكاديمي