يبرز العمل الخيري وجمع التبرعات كخيوط أساسية في معالجة قضايا المجتمع وتعزيز الفرص العادلة ضمن نسيج التحسين المجتمعي المعقد. يكشف لك هذا المقال أدوارهما المترابطة، تعريفهما وتأثيرهما وجذورهما التاريخية، والتحديات التي تقف في طريقهما، بالإضافة إلى الدور الهام الذي يحققانه في المنظمات غير الربحية كمبادرة مسارات.
فهم ماهية العمل الخيري، هل الخير يقتصر على العطاء فقط؟
الإحسان
العمل الخيري: غالبا ما يُنظر لهُ على أنه مقتصر على التبرعات المالية ذات الأثر الآني للأقل حظاً في المجتمع، إلا أنه أوسع من ذلك بكثير.
فهو نشاط يتسم بالإحسان وتندرج تحته مجموعة متنوعة من الأفعال تهدف إلى تلبية احتياجات المجتمع وحل مشكلاته.
يعدّ العمل الخيري المحرك الأساسي لتطور المجتمع عبر التاريخ، حيثُ يمتد من الحضارات القديمة إلى عصرنا الحالي، وله أشكال تختلف تبعاً للثقافة السائدة في ذلك العصر، سواء من خلال بناء دور العبادة أو توفير الدعم للمحتاجين، ولكنه تطور لاحقاً ليصبح على ما هو عليه الآن من دعم بنوك الطعام والملاجئ والمستشفيات الخيرية وصولاً إلى تمويل المبادرات التعليمية وبرامج الرعاية الصحية.
لكن جوهر العمل الخيري لم يتغير لأنه قديماً وحديثاً يخدم الصالح العام للمجتمعات ويحل المشاكل المتعلقة بالوضع الذي يعاصره، أيّ نرى ارتباطاً وثيقا بين أموال التبرعات وبين المنظمات الخيرية والمبادرات الإنسانية، بحيثُ يصب كل منهما في مصلحة بناء المجتمع.
الإيثار
فجوهر العمل الخيري يكمن في طبيعته الإيثارية، هو الإحسان دون انتظار مردود. مبدأ يتجلى بوضوح في عمل مبادرة مسارات، والتي توفر فرص تعليم متساوية مدفوعة بجهود متطوعيها، خاصة في المناطق الأكثر تضرراً، لتنتج أفرادا مبدعين ومنتجين قادرين على حمل الرسالة وبناء مستقبل أفضل.
ماذا يشكل جمع التبرعات للمنظمات غير الربحية؟
يعدّ جمع التبرعات شريان الحياة، فهو جزء لا يتجزأ من قطاع المنظمات غير الربحية، وشرطاً أساسياً للعديد من المنظمات لتقدم خدماتها بحرية دون قيود أو شروط.
إذ يشمل جمع الأموال بشكل استراتيجي لدعم قضايا متنوعة – من الرعاية الصحية والتشرد إلى التعليم والحفاظ على البيئة.
تطور جمع التبرعات على مر السنين من مجرد طلب التبرعات إلى تخصص يشمل مجموعة من الاستراتيجيات والأساليب، من استضافة الأحداث الكبرى والخيرية إلى حملات التمويل الجماعي عبر الإنترنت.
تعتمد المنظمات غير الربحية كمبادرة مسارات، بشكل كبير على جمع التبرعات في عملها، فهو المحرك الأساسي لبرامجها وخدماتها، هذه التبرعات تمكن المبادرة من تنفيذ مشاريع متنوعة والحفاظ على الاستدامة التشغيلية وضمان تقديم أفضل خبرات للطلاب.
لا تقتصر جهود جمع التبرعات على جمع الموارد فحسب، بل تشمل أيضا بناء علاقات مع المساهمين، وفهم دوافعهم، وضمان الشفافية والمساءلة في استخدام تبرعاتهم.
ما هو أثر انتشار جمع التبرعات؟
تأثير جمع التبرعات واسع وعميق، خلال عام 2022 جمعت الولايات المتحدة وحدها 499.33 مليار دولار أمريكي، موجهة للجمعيات الخيرية.
عادة ما يرتبط الدعم للمؤسسات والجمعيات غير الربحية بالمنح الحكومية والدعم المؤسساتي، ومع ذلك أظهرت الإحصائيات في عام 2022 أن نحو 64% من العطاء الخيري جاء عبر الأفراد، حيث بلغت مساهماتهم 319.03 مليار دولار أمريكي، في حين ساهمت المؤسسات بـ 105.21 مليار دولار أمريكي.
مبادرة مسارات تجسيد للعمل الخيري
تُمثل مبادرة مسارات نموذجا واقعيا نتائجه مَلمُوسة على أرض الواقع في جمع التبرعات الفعال، حيث يؤمن التمويل الجماعي وجمع التبرعات أساساً لبرامجها وأنشطتها الموجهة للطالب، والتي تهدف لتقديم تعليم سهل الوصول للفئات الأكثر تضررا في المجتمع، تتضافر هذه البرامج لكسر حلقة التسرب من التعليم في شمال سوريا، وتقديم الفائدة لأكبر شريحة يمكن الوصول إليها.
مسارات التي خدّمت نحو 31 ألف طالب خلال أعوامها الأربع، توضح أن جهود جمع التبرعات الموجهة بدقة لا تقتصر على دعم التعليم فحسب، بل تعمل أيضاً على زرع بذور الأمل في نفوس المستفيدين من هذه البرامج.
وتجسد قصة فايزة الشيخ وهي أم لخمسة أطفال استأنفت تعليمها من خلال مسارات تأثير هذه الجهود، حيثُ تمكنت من الحصول على شهادتها الثانوية ومتابعة دراستها الجامعية، لتكون مثالاً واقعياً عن نجاح المبادرة في تمكين الأفراد من خلال التعليم، ودليل جلي على أهمية الإحسان والعمل الخيري في حياة الفرد والمجتمع
التحديات التي تواجه العمل الخيري وجمع التبرعات
على الرغم من فوائدهما، يواجه العمل الخيري وجمع التبرعات نصيبهما من التحديات، أهمها:
- عامل الوقت: فبناء علاقات مستدامة وفعالة، يتطلب وقتا والكثير من الصبر.
- نقص الموارد اللازمة للتخطيط وتنفيذ حملات جمع التبرعات، وصعوبة ضبطها والتنبؤ بها.
- الجانب الأخلاقي: فالاستخدام المسؤول للأموال والشفافية في العمليات، تتطلب اعتبارات دقيقة للحفاظ على الثقة والمصداقية.
رغم التحديات تعتمد مبادرة مسارات في تغذية مشاريعها التعليمية والمعرفية على جمع التبرعات، وتهدف برامجها لتوفير التعليم المجاني للطلاب السوريين وتركز على الأشد احتياجاً مثل الأيتام، والنازحين الداخليين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمنقطعين عن التعليم لفترات زمنية طويلة.
الأنشطة الخيرية إثراء للمجتمعات
تتنوع الأنشطة الخيرية بشكلٍ كبير، حيثُ تتناول جوانب مختلفة من الحياة المجتمعية، وتتراوح هذه الأنشطة من البرامج التعليمية إلى مبادرات الرعاية الصحية، وتهدف جميعها إلى تحسين نوعية الحياة لمختلف الفئات، كل بحسب احتياجاته، إذ تعتمد المنظمات التي تنخرط في هذه الأنشطة على العمل الخيري وجمع التبرعات لاستمرار جهودها وتحقيق أهدافها.
العمل الخيري وجمع التبرعات، على الرغم من قوة تأثير كل منهما بحد ذاته إلا أنهما يكتسبان تأثيراً أكبر وأكثر استدامة عند توظيفهما معا، إذ يؤديان دوراً محورياً في دفع عجلة التغيير الاجتماعي وتحسين الحياة.
يعد نجاح مبادرة مسارات مثالا حيا على قوة هذه الممارسات، ليس فقط في معالجة الاحتياجات الفورية ولكن أيضا في تمهيد الطريق لتحسينات مجتمعية مستقبلية للطلاب وللفكر التعليمي في المنطقة.\
كيف يمكننا استغلال قوة العمل الخيري لتحسين حياة الطلاب السوريين؟
في سعينا نحو مستقبل يمنح فيه كل فرد الفرصة للنجاح والازدهار، تبرز أهمية العمل الخيري أكثر من أي وقت مضى.
بشكلٍ خاص يبرز تعليم الطلاب السوريين، الذين واجهوا تحديات هائلة منها:
- نقص الموارد
- النزوح واللجوء
- الظروف الحياتية الصعبة
حيث تخلق فرص التعليم شعلة أمل وفرصة للتقدم المجتمعي، والحفاظ على حقوقهم الأساسية.
يمكن لتكاتفنا معا أن يحدث فرقاً ملموساً في بناء مستقبل أكثر إشراقاً لهؤلاء الطلاب، كن شريكاً في هذه المهمة لتمكين السوريين من خلال التعليم، كن عوناً لهم ولنجاحاتهم.
الكاتب: محمود خطيب متطوع في مبادرة مسارات
:المصادر
Learning to Give: “Philanthropic Fundraising“
Charity Fund Zone: “Advantages and Disadvantages of Fundraising“
Double the Donation: “Key Nonprofit Fundraising Statistics“