fbpx

مبادرة مسارات

محتوى المقال

اللحن في اللغة العربية: تاريخه، تأثيراته ودور الإسلام في مكافحته

نشأتْ اللغة العربية في ربوع جزيرة العرب، خالصةً لأبنائها، نقيّةً سليمةً لا لوثة فيها ولا خلط، ولبثت كذلك أحقاباً طويلة، بعيدة عن اللحن في القول واللفظ.

 

كان العرب يروحون ويغدون داخل بلادهم وصحاريهم وهم راضون كلّ الرّضا بطبيعة حياتهم القاسية الصّعبة، غير متطلعين إلى نعيم الحياة وزخارفها فيما حولهم في بلاد فارس والروم، وإن دعتهم الحاجة والمصالح إلى الاتّصال بهم أحياناً.

 

وكان العربيّ يفتخر بفصاحته وبلاغته، فكانت المعلّقات في الجاهليّة وهي قصائد من الطراز الرفيع، تمثّل قمّة البلاغة والفصاحة، وزبدة ما أنتجه العقل العربيّ من الشّعر قبل الإسلام.

 

ما معنى اللحن في اللغة العربية؟

 

اللحن لغةً هو الانحراف عن القواعد النحوية والصرفية المعتمدة، أو الخطأ في تطبيقها. يشمل اللحن أنواعًا متعددة، يمكن تقسيمها إلى لحن جلي ولحن خفي.

 

دور الإسلام في نبذ اللحن في اللغة العربية

 

ويسطع نور الإسلام في جزيرة العرب، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً وتتوالى الفتوحات فتدكّ أعظم إمبراطوريتين في العالم القديم؛ الأمر الذي أدّى إلى اختلاط الأعراق، ودخلت الإسلام عناصرُ غير عربيّة.

 

وها هو ابن خلدون يقول معبّراً عن تلك الحال {فلما جاء الإسلام، وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول، وخالطوا العجم؛ تغيّرت تلك المَلَكَة بما ألقى إليها السّمع من المخالفات المتعرّبين، والسّمع أبو المَلَكات اللسانيّة، ففسدتْ بما أُلقي إليها ممّا يغايرها، لجنوحها إليه باعتياد السّمع، فخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأساً، ويطول العهد بها، فينغلق القرآن والحديث على الفهوم، ويصبح اللحن في اللغة العربية منتشراً}.

 

فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانينَ لتلك الملكة مطّردة شبه الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه بالأشباه، مثل أنّ الفاعل مرفوع والمفعول منصوب والمبتدأ مرفوع، ثم رأوا تغيّر الدلالة بتغيّر حركات هذه الكلمات، فاصطلحوا على تسميته إعراباً.

 

وتسمية الموجب لذلك التغيّر عاملاً، وصارت كلّها اصطلاحات خاصة بهم، فقيّدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة، واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو.

 

هل كان اللحن منتشراً في اللغة العربية؟

 

إزاء ذلك المشهد وبالعودة إلى بداية اللحن في العهد الإسلاميّ الأوّل، فقد بدأ اللحنُ خفيفاً منذ أيّام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يروى بأنه لحن رجلٌ بحضرته، فقال أرشدوا أخاكم فقد ضلّ، فقد شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم اللحن بالضّلال، وقد روى السّيوطي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: {أنا من قريش ونشأتُ في بني سعد فأنّى لي اللحن؟} وهذا يدلّ على أنّ اللحن ظاهرةٌ قديمةٌ وإنْ لم تكنْ متفشّيّة، وها هو أبو بكر الصّديق يقول (لئنْ أقرأ وأسقط أحبّ إليّ من أنْ أقرأ فألحن).

 

 وقد رُوي عن سيّدنا عمر رضي الله عنه أنّه مرّ بقوم يسيئون الرّميَ، فلامهم وأنّبهم، فقالوا {إنّا قومٌ متعلّمين} فأعرض عنهم مغضباً، وقال: {والله لخطؤكم في لسانكم أشد عليّ من خطئكم في رميكم} وقال سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: {رحم الله امرأً أصلح من لسانه}.

 

ويروي الرّواة أنّه ورد كتاب إلى سيّدنا عمر من أحد عمّاله، أوّله {من أبي موسى الأشعريّ} فما كان من سيّدنا عمر إلّا أن كتب إلى أبي موسى الأشعريّ بضرب الكاتب وجلده على لحنه في كتابه.

 

مظاهر اللحن في اللغة العربية 

 

تعد مظاهر اللحن في اللغة العربية من الظواهر اللغوية المهمة التي تثير اهتمام اللغويين والمجودين على حد سواء. اللحن يشير إلى الخطأ والانحراف عن القواعد الصحيحة للنحو والصرف، وهو ما يمكن أن يظهر في الكلام والقراءة على حد سواء.

 

من أبرز مظاهر اللحن النحوي استخدام صيغة جمع المذكر السالم في غير موضعها الصحيح، مثل “المدرسين” بدلاً من “المدرسون”، أو الخلط بين حروف الجر مثل استخدام “في” بدلاً من “إلى”. أما اللحن الصرفي فيظهر في استخدام صيغة الفعل بشكل غير صحيح، مثل قول “كتبتِ” للمذكر بدلاً من “كتبتَ”. في علم التجويد،

 

يعد اللحن أحد الأمور التي يجب تجنبها لضمان قراءة صحيحة ودقيقة للقرآن الكريم. اللحن في التجويد يمكن أن يكون جليًا، وهو الخطأ الواضح الذي يغير معنى الآية مثل تغيير حركة الكلمة، أو خفيًا، وهو الخطأ الذي لا يغير المعنى لكنه يخل بالقواعد التجويدية مثل عدم تطبيق الغنة في مكانها الصحيح. تصحيح اللحن يتطلب دراية دقيقة بالقواعد النحوية والصرفية وأحكام التجويد، وهو ما يؤكد على أهمية التعليم المستمر والممارسة الجيدة للغة العربية.

 

خطورة اللحن في القرآن الكريم

 

والأشد من ذلك تسرّب اللحن إلى قراءة النّاس القرآن الكريم، ويُروى أنّه قدم أعرابيّ في خلافة سيّدنا عمر إلى المدينة، فقال: {من يقرئني شيئاً ممّا أُنزل على محمّد؟} فأقرأه رجلٌ سورة بهذا اللحن {أنّ اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولِه} بكسر اللام فقال الأعرابيّ: {إن يكنِ اللهُ بريئاً من رسوله فأنا أبرأُ منه} فبلغتْ مقالةُ الأعرابيّ الخليفة، فاستدعاه، فقال له يا أميرَ المؤمنين إنّي قدمتُ المدينة وقصّ عليه القصّة، فقال سيّدنا عمر: ليس هكذا يا أعرابي! فقال كيف يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: {إنّ الله بريءٌ من المشركين ورسولُه} بضمّ لام رسوله، فقال الأعرابيّ: وأنا أبرأ ممّن برئ الله ورسولُه منهم.

 

ومن وقتها أمر عمر ألّا يُقرئ القرآن إلّا عالمُ بالعربيّة، وتُنسب لسيّدنا عمر المقولة المشهورة {تعلموا العربيّة فإنّها تثبّت العقل، وتزيد في المروءة، واهتمامهم بتفادي اللحن في اللغة العربية ينبئ عن أهميتها في ذلك الوقت}.

 

 ويروى أنّه مرّ عمر برجلين يتسابقان في الرّمي، فقال أحدهما للآخر أسبت، فقال عمر {سوءُ اللحن أشدّ من سوء الرّمي} فجعل الرّجل مكان الصّاد سيناً، ويروي الجاحظ لنا أنّ أوّل لحنٍ سُمع في البادية قول أحدهم هذه عصاتي بدلاً من هذه عصاي.

 

بناء على ما ذكرناه ومن خلال استعراض بعض مظاهر اللحن في صدر الإسلام، نجد استهجان العربيّ للّحن، فقد بدا ذلك واضحاً عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعند الخلفاء الرّاشدين، فظاهرة اللحن أمر لا يمكن السكوت عنه والتّساهل معه.

 

ومع اتّساع رقعة الفتوحات اتّسعت دائرة اللحن، وهذا ما ستناوله في المقالة التّالية بإذنه تعالى.

 

الكاتب: أ. عبد المنعم العبدو مدرس اللغة العربية في مبادرة مسارات

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شارك المحتوى عبر:

محتوى المقال