في أروقة الرياضيات، حيث يتعانق الأبيض والأسود على باب مزيّن بشعار “كن رصينا”، وُجد تجريد وتعميم يُعقّدان فهمها ويجعلان منها ميدانًا للقلة القادرة على تحمّل جمودها والعباقرة الذين يرون فيها ملاذًا. نناقش في هذا المقال رحلة تطور الرياضيات في تيسير المنطق
بدايات الرياضيات وتطورها
لطالما كان هذا العلم في نظر الرياضياتيين وسيلة لاستشعار مشكلات الواقع ونقلها إلى عوالم التجريد، قبل أن تُعيد صياغتها وتقدمها في قالب عملي إلى حيث بدأت.
مع ذلك، لم تكن جهود الرياضيات النبيلة كافية لسد رمق الحاجات الإنسانية اللانهائية، ولا لمعالجة المعضلات المتجددة التي يعاني منها الناس يوميًا، مما جعل البعض ينظرون إليها بعين الجحود ويتهمونها بالتقادم والتحجر.
ومن هنا، ارتفع صوت المدافعين عن الرياضيات، أولئك العلماء الشجعان الذين اكتشفوا جوهرها واستمتعوا بغموضها. من بين هؤلاء كان علي لطفي عسكر زادة، المهندس الكهربائي، الذي بدأ مهمته في الدفاع عن هذه الأم الرؤوم، مستلهمًا من جورج بول، ومعتبراً: الانتماء هو الوجود واللانتماء هو العدم، وبينهما تتراوح درجات الانتماء والصحة.
وبهذا المفهوم، أخذ لطفي عسكر زادة يُعيد تصور الرياضيات بعيون ملونة، يُظهر لنا كيف يمكن للسن تحديد درجة “الشباب”، وكيف يمكن للتدرج أن يوسع نطاق الصواب والخطأ.
من هنا، تطور المنطق الضبابي ليصبح المنطق الحدسي الضبابي، مما أتاح لنا إمكانيات جديدة للتنقل بين الأبيض والأسود.
المنطق الرياضي
المنطق الرياضي هو فرع من الرياضيات يستخدم المنطق الصوري لدراسة مفاهيم الرياضيات. يشمل عدة مجالات رئيسية مثل نظرية المجموعات، نظرية النماذج، نظرية البرهان، والحسابيات. يُستخدم المنطق الرياضي لصياغة البراهين والنظريات بطريقة منظمة ودقيقة، ويعتبر أداة حاسمة في تطوير الأسس النظرية للرياضيات نفسها، وكذلك في مجالات مثل علوم الحاسوب والفلسفة الرياضية.
يركز هذا الفرع على تحليل الأسس المنطقية للرياضيات ويشمل عدة مجالات رئيسية مثل:
- نظرية البرهان: تبحث في الطرق التي يمكن بها بناء البراهين الرياضية بشكل صوري، وتستكشف الأنظمة المختلفة للبرهان وكفاءتها.
- نظرية الموديلات: تدرس العلاقات بين الصيغ الرياضية والتفسيرات أو “الموديلات” التي تحقق هذه الصيغ.
- نظرية المجموعات: تعتبر جزءًا أساسيًا من المنطق الرياضي وتدرس خصائص المجموعات، خاصة المجموعات غير المحدودة.
- الحسابيات: تفحص الأسس المنطقية والنظرية للأعداد والعمليات الحسابية.
نظرية النيتروسوفيك عند فلورانتين سمرنداتشه
وأخيراً، جاء فلورانتين سمرنداتشه ليضيف بُعد الحياد، مفجرًا بذلك ثورة في الأوساط العلمية وموسعاً الرؤية لتشمل كل الألوان المعروفة والمحتملة. النيتروسوفيك هو مصطلح يشير إلى نظرية الأعداد النيتروسوفيك، وهي نظرية في الرياضيات تم تطويرها بواسطة العالم الروماني فلورنتين سمارانداشي في أواخر التسعينيات. هذه النظرية توسع مفاهيم المنطق الفازي والمنطق المتعدد القيم بإدخال درجة ثالثة للحقيقة، وهي “المجهول”، إلى جانب الحقيقة والكذب.
في نظرية النيتروسوفيك، كل بيان يمكن أن يكون صحيحًا بنسبة معينة، خاطئًا بنسبة معينة، ومجهولًا بنسبة معينة في نفس الوقت. هذه الميزة تجعلها أداة قوية للتعامل مع الغموض وعدم اليقين في العديد من تطبيقات الحياة الواقعية مثل نظم الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب، حيث يمكن أن تساعد في صنع القرار وتحليل البيانات المعقدة.
ومع هذا التحديث المستمر للمفاهيم الرياضية، يُظهر لنا كيف أن الرياضيات، بمرونتها الجديدة، تستطيع استيعاب التحديات المعقدة والمتغيرة. وفي النهاية، يُعيد الإنسان النظر في تقييمه للرياضيات، معترفًا بعظمتها ومكانتها، مُردداً بإجلال ما علمه الله لآدم من أسماء كل شيء.
د. أحمد خطيب – مستشار في مبادرة مسارات
3 أفكار عن “المنطق الرياضي يحط رحاله عند النيتروسوفيك”
أسلوب أدبي رصين رغم علمية الموضوع
اكتشفوا جوهرها وايتمتعوا بغموضها
جميلُ هذا الوصف
الله يوفقك استاذ
يوم بعد يوم أكون ممتنة لله بأن اختار لي الدراسة في قسم الرياضيات .بارك الله بكم