في إحدى القرى البعيدة جلست سلمى تتأمل دفترها القديم، تمرر أصابعها على الكلمات التي لم تكتمل والأحلام التي بقيت حبراً على الورق.
منذ سنوات كانت تحلم بأن تصبح طبيبة أو معلمة أو حتى كاتبة تروي قصصها للعالم، كانت تتقلب بين مجالات الدراسة في خيالها وتستفسر وتحلل أياً منها يناسبها ويحقق شغفها.
لكن الطريق لم يكن سهلاً، فبين التحديات الاقتصادية والمسؤوليات والموارد القليلة، وجدت نفسها أمام خيارات محدودة، جعلت حلمها بالتعليم أكثر صعوبة.
اليوم تواجه سلمى مستقبلاً ضبابياً، فكيف يمكنها أن تؤدي دورها كامرأة فاعلة في مجتمعها أو أن تربي جيلاً واعياً إذا كانت هي نفسها لم تستطع الحصول على فرصة التعلم؟
في هذا المقال من مسارات سنناقش أهمية تعليم المرأة في الإسلام والتحديات التي تواجهها والحلول التي يمكن أن تغير مجرى حياتها وحياة الأجيال القادمة.
أهمية تعليم المرأة في الإسلام
يُولي الإسلام مكانة عظيمة لتعليم المرأة معتبراً إياه حقاً أساسياً وواجباً دينياً، فقد حثَّ الإسلام على طلب العلم لكل من الرجال والنساء دون تمييز، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “طَلَبُ العِلمِ فَرِيضَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ” رواه ابن ماجه.
إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تعليم المرأة لِما فيه من خيرٍ لها ولمكانتها كـأم مربية لأجيالٍ تسير على نهج رسول الله، فقد خصص حينها النبي صلى الله عليه وسلم وقتاً لتعليم النساء، حيث طلبت النساء منه يوماً خاصاً بهن لتعليمهن ووعظهن بأمور دينهن، فاستجاب لطلبهن وخصص لهن يوماً يلتقين فيه معه.
قال هشام بن عروة عن أبيه: “ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطبٍّ ولا بشعر من عائشة”، فقد كانت من أعلم الناس وأفقهم وأبلغهم رأياً، وكانت تسارع النساء على طلب العلم وتأخذ بأيديهن على مجالس العلم فقد ورد عنها أنها قالت: “نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ” أخرجه الإمام مسلم.
وكانت ابنة الإمام مالك تحفظ كتابه “الموطأ” وفي أثناء مجلس العلم للصِبيَة مع الإمام مالك، تجلس خلف الباب وكلما أخطأ حافِظ طرقت الباب بيدها لينتبه والدها ويصحح له.
يبين لنا ذلك أن رسول الله والصحابة والتابعين كانوا أشدّ حرصاً على تعليم المرأة وإعطائها وقتاً مخصصاً للتفقه بأمور الدين، لأن مكانة المرأة عظيمة ودورها في دنياها يتطلب منها أن تسعى لطلب العلم ورفع وعيها وثقافتها بعلوم دينها وفي كل المجالات الدنيوية التي تعينها في تربية أولادها وأيضاً تضمن لها مشاركاتها في مجالات الحياة وتقديم نفسها على أنها عنصراً فعّالاً في المجتمع تقضي وتفعل كل ما فيه خير للأمة.
التحديات التي تواجه تعليم الفتيات في المجتمعات المحافظة
- الفقر والظروف الاقتصادية: تُفضل بعض الأسر تعليم الذكور على الإناث بسبب محدودية الموارد المالية.
- العادات والتقاليد: في بعض المجتمعات المحافظة تفضّل الفتيات عدم متابعة تعليمها عن قناعة منها أن مكانها ليس في أروقة الجامعات وهو من التحديات التي تحتاج إلى التوعية وتبيان أهمية متابعة التعلّم لهذه الفئة.
- نقص البنية التحتية التعليمية في المنطقة: في بلدان الحروب تعاني بعض المناطق من تدمير للبنى التحتية التي تتسبب في إيقاف التعليم لكامل أفراد المنطقة.
- التمييز بين الجنسين: لا يزال التمييز بين الجنسين قائماً في بعض المجتمعات، حيث تُعطى الأولوية لتعليم الذكور على حساب الإناث، بفكرة مغلوطة تماماً أن المرأة ليس لها إلا الأعمال المنزلية ورعاية الأسرة ولا حاجة لها بالعلم.
- البيئة المدرسية غير الملائمة: ويقصد بذلك المدارس المختلطة والتي لا تراعي الفتيات وخصوصيتهن، لهذا بعضهن يجدن صعوبة في الالتحاق بالمدرسة والاستمرار في التعلم.
- ضعف الوعي بأهمية تعليم الفتيات: قلة الوعي لدى بعض الأسر والمجتمعات بأهمية تعليم الفتاة ودورها وكيف حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليمها، لدورها في تنمية المجتمع وتقدّمه.
الحلول المقترحة ودور التكنولوجيا في التغيير
من الأولويات التي كانت في قائمة استراتيجيات تعزيز التعليم في غرب ووسط أفريقيا التي نظمها اليونيسف، هي أهمية دعم تعليم المرأة والاحتفاء بإنجازاتهن وتطوير برامج تدعم كفاءتهن والمستوى التعليمي لديهنّ والاستثمار في التعليم للمرأة، وهنا سنحكي عن أهم الحلول المقترحة لمعالجة المشكلة:
- حملات التوعية المجتمعية: تنظيم حملات تهدف إلى تثقيف الأسر والمجتمعات حول أهمية تعليم الفتيات، وإبراز الفوائد الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك، والتي يمكن أن تسهم هذه الحملات في تغيير المواقف الاجتماعية وتعزيز قيمة التعليم للفتيات، وكيف للتعليم أن يساهم في السلام المجتمعي.
- توفير دعم مادي: تقديم منح دراسية أو مساعدات مالية للأسر لتشجيعها على تعليم بناتها خاصة في المناطق ذات الدخل المحدود، هذه الحوافز قد تشمل تغطية تكاليف الدراسة أو تقديم مساعدات نقدية مشروطة بالتحاق الفتيات بالمدارس.
- تحسين البنية التحتية التعليمية: بناء مدارس قريبة من المناطق النائية وتوفير مرافق تعليمية ملائمة للفتيات، مثل مرافق صحية مناسبة ومساحات آمنة، هذا يساعد في إلغاء عقبة مهمة تمنع الفتيات من التعلم.
- توظيف معلمات مؤهلات: زيادة عدد المعلمات في المدارس خاصة في المناطق الريفية، لتشجيع الأسر على إرسال بناتها إلى المدارس، حيث يفضل البعض أن تتولى النساء تعليم الفتيات.
دور التكنولوجيا في تعزيز تعليم الفتيات
- التعليم عن بُعد: استخدام منصات التعليم الإلكتروني لتوفير دروس ومناهج تعليمية يمكن الوصول إليها من المنزل، لمنع الحواجز الجغرافية والثقافية من تقييد الفتيات من الالتحاق بالمدارس، في مباردة مسارات لدعم التعليم الرقمي، حظينا بأن يكون عدد كبير من المتعلمين من فئة الفتيات حيث حصلنا على التعليم المدرسي بالشهادتين ونيل الحق في التعلم.
- المحتوى التعليمي الرقمي: تطوير مواد تعليمية رقمية تفاعلية، مع مراعاة السياق الثقافي والاجتماعي للمجتمعات المحافظة.
- برامج التوجيه والإرشاد عبر الإنترنت: إنشاء منصات رقمية تربط الفتيات بمعلمات ومرشدات يقدمون الدعم الأكاديمي والنفسي، لاستمرارية تعليمهن وإخفاض معدل التسرب، شهد برنامج الإرشاد الأكاديمي في مباردة مسارات على إرشاد عدد جيد من الفتيات أكاديمياً ومساعدتهنّ على الاختيار التخصص المناسب.
- توفير الأجهزة والتدريب: تزويد الفتيات في المناطق النائية أو المحرومة بأجهزة تقنية مثل الحواسيب أو الأجهزة اللوحية، وتقديم التدريب اللازم لاستخدامها في العملية التعليمية.
- تعزيز المهارات الرقمية: تقديم دورات تدريبية في مجالات العلوم والمهارات التقنية والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) لتشجيع الفتيات على دخول هذه المجالات وزيادة فرصهن في سوق العمل المستقبلي.
مسارات للتنمية والتعليم في سوريا
من القضايا المهمة في مجتمعاتنا والتي سارعت مسارات لحلّها وتقديم الدعم الكافي لها هي تمكين المرأة من خلال التعليم الرقمي ومنحها حقها في إكمال مسارها التعليميّ وتعليمها مهارات تقنية وغيرها لتواكب عصرها.
مساهمات المرأة ودورها الفعّال في نهضة المجتمع كثيرة ولا يمكن أن نحصيها بسطرين أو ثلاثة، إنما هي الأم والمعلمة والطبيبة والمهندسة، فطرتها العظيمة التي منّ الله عليها بها أن تعطي وتمنح غيرها الخير والعلم وتربي لتبني أمة تسير على نهج النبي، متطورة وفاعلة بين باقي البلاد.
في مسارات قصص نجاح مُلهمة لفتيات أصررن وثابرن لنيل الشهادات وإكمال تعليمهن وتوّجت جهودهن بالنجاح والإنجاز المشرّف.