“الصدق، الرحمة، الأمانة، الكرم والجود، العدل، الإحسان، الصبر. الزهد، التواضع والرفق” وغيرها كلمات نرددها ونعيشها يومياً فما هو معناها الحقيقي؟
هذه الكلمات بأنواعها المختلفة لها أهمية كبرى في الحضارة الإنسانية والإسلامية، فهي ترتبط بالإرادة وتعمل على تغيير السلوك السيئ، وتحويله إلى سلوك جيد.
وتعدّ هذه القيم وسيلة من وسائل نهوض المجتمع، والإسلام هو مجموعة متكاملة من هذه القيم، ترتقي بالمجتمع وتعمل على تطويره ورفع مستوى أفراده، كما تساهم في تكوين المجتمع الحضاري الصالح الذي يرتبط أفراده بالإسلام ومبادئه ويجعلها محور حياته ورسالته في الدنيا ليعيش بسعادة واطمئنان وطلباً للفوز برضى الله سبحانه وتعالى.
إنها “القيم” فهي نظام متكامل تقوم على مبدأ الوسطية والاعتدال وتحترم العقل وتلبي رغبات الفطرة السوية، وتقبل التكيف حسب الزمان والمكان وتحافظ على كل الحقوق الفردية والمجتمعية والإنسانية بما تحتويه من مميزات وخصائص.
تعريف القيم
جمع قيمة، وعرّفها ابن منظور بأنّها ثمن الشيء بالتقويم، وأُطلق على ثمن الشيء قيمة؛ لأنّه يقوم مقام الشيء، إذ تقول العرب: كم قامت ناقتك؛ أي كم بلغت.
وقيل: القيم مصدرٌ بمعنى الاستقامة، كما جاء في قول الله تعالى: (دينًا قِيَمًا)؛ أي ديناً مستقيماً لا عِوَج فيه، والقيم أيضاً بمعنى الفضائل الدينيّة، والاجتماعية، والأخلاقيّة التي يقوم عليها المجتمع.
وعلم القيم: أي العلم الذي يشمل الفضائل، وخاصّة القيم الأخلاقية.
تعريف القيم الإسلامية
هناك تعاريف كثيرة ولكننا نلخصها بأنها مجموعة من الأحكام والمعايير الناجمة عن تصوّرات الإسلام للكون والإله والإنسان والحياة، والتي تتكوّن نتيجة تفاعل الفرد والمجتمع مع الخبرات والمواقف الحياتية المختلفة، وبها يتمكّن الفرد من تحديد أهدافه وتوجهاته التي تتجسّد بسلوكه العملي بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ.
خصائص القيم الإسلامية
تميّزت القيم الإسلامية بمجموعةٍ من الخصائص وأهمها أنها صادرة من التشريع الإسلامي، القرآن الكريم والسنة النبوية فهما مصدر البحث لكل قيمة.
فهي تشمل توجّهات الإنسان وكافّة شؤونه، ولا تقتصر على أموره الخاصة بالحياة الدنيا، وإنّما تشمل الحياة الآخرة كذلك، بالإضافة إلى شمولها للمجتمع بأكمله، وعلاقة كلّ فردٍ بمجتمعه.
وبذلك فإنّ القيم الإسلامية تقود المسلم إلى الطريق الصحيح في تحديد أهدافه وغاياته.
وأجمع العلماء على أنها عامةٌ لكلّ زمانٍ ومكانٍ، ومستمرةٌ عبر العصور ومرنة وثابتة في الوقت ذاته بمعنى أن القيم التي تستند لنص شرعي فهي ثابتة لا تتغير، أما القيم التي يتم استنباطها فهي قابلة للاجتهاد حسب المكان والزمان.
تمتاز القيم بالوسطية وقائمة على التنمية والتوجيه والتربية ومرتبطةٌ برضا الله تعالى، وما يترتب على ذلك من جزاءٍ في الدنيا والآخرة.
مصادر القيم الإسلامية
مصادر القيم الإسلامية تأتي من مجموعة متنوعة من المصادر الدينية والثقافية التي تشمل:
القرآن الكريم
هو الكتاب المقدس في الإسلام، ويعتبر مصدراً رئيسياً للتشريع والتوجيه الروحي والأخلاقي، ويحتوي على تعاليم ووصايا توضح القيم الإسلامية وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية.
السنة النبوية
تشمل تعاليم وسيرة النبي محمد (صلَ الله عليه وسلم) وأحاديثه، وهي مصدر ثاني بعد القرآن للتعرف على القيم والأخلاق الإسلامية.
الإجماع
وهو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلَ الله عليه وسلم على حكم شرعي في واقعة، وقد ذكر في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدل على أن إجماع الأمة يعد مصدراً للقيم والأخلاق.
الفقه والشريعة الإسلامية
تدرس القيم والأخلاق من خلال تفسير النصوص الدينية وتطبيقها في السلوك الإنساني والتعاملات الاجتماعية.
التراث الثقافي الإسلامي
يشمل العلماء والفلاسفة والكتب التي تناولت القيم والأخلاق الإسلامية وقدمت تفسيرات وفهم لها.
أهمية القيم الإسلامية
أصحابُ القيَم يؤدون أعمالهم بإحسان وإتقان، وسوء سلوك القائمين على العمل يرجع إلى افتقادهم لقيم الإيمان والإخلاصِ والشعور بالواجب والمسؤولية.
لأن القيم تجعل للإنسانِ قيمةً ومنزلةً، ولحياته طعماً، وتزداد ثقة الناس به، قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
تأثير القيم الإسلامية على مستوى الفرد
توجيه السلوك الإنساني: تساعد في توجيه سلوك الفرد وتحديد مسار حياته وأخلاقياته، مما يؤيد السلوك الصالح والتعاون والسلم الاجتماعي.
التطوير الشخصي: تسهم في تطوير الفرد على مستوى شخصي وروحي، مما يضمن النمو الروحي والتقدم الذاتي.
تعزيز الأخلاق والسلوك الحسن: تعد مرشداً للأخلاق والسلوك الحسن، مما يساهم في بناء مجتمع محترم ومتقبل.
تحقيق التوازن والاعتدال: تشجع القيم الإسلامية على التوازن والاعتدال في كافة جوانب الحياة، وتحذر من التطرف والغلو في الأفكار والسلوكيات.
تأثير القيم الإسلامية على مستوى المجتمع
التعايش السلمي والتسامح: تعزز التسامح وقبول الآخرين بغض النظر عن اختلافاتهم في العقيدة أو الثقافة أو الأصل، مما يسهم في بناء مجتمع متعايش وسلمي.
تعزيز العدالة والمساواة: تحث على العدالة والمساواة في المعاملة وتوزيع الموارد بشكل عادل داخل المجتمع.
بناء الأخلاق الإيجابية: تعتبر مصدراً لبناء الأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية الرفيعة مثل الصدق، الكرم، العطاء، والتواضع.
تعزيز الوحدة والتكافل الاجتماعي: تشجع على التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، وتعزز الروابط الاجتماعية والوحدة بينهم.
التنمية المستدامة: تساهم القيم الإسلامية في رفع الوعي تجاه العمل الخيري الذي يقدم الدعم للمحتاجين، مما يحقق أهداف التنمية المستدامة ورفع مستوى الحياة داخل المجتمع.
تعزيز السلام والاستقرار: تعد جزءاً من الجهود المبذولة لبناء مجتمع سلمي ومستقر من خلال التشجيع على العدل والتسامح وتحقيق السلم الاجتماعي، وتعمل كأساس لبناء مجتمع مترابط ومتراحم، حيث يتم تشجيع العدل والتعاون والتضامن بين أفراده.
نعمل في مبادرة مسارات لنشر المعرفة عن بعد على إعطاء القيم الإسلامية شأن كبير من خلال تضمينها في المناهج الدراسية، وتنظيم أنشطة وفعاليات تعليمية مثل المناقشات والورش والأنشطة الخارجية التي تسلط الضوء على القيم الإسلامية وتطبيقها، لتعزيز فهم الطلاب لهذه القيم وأهميتها في الحياة اليومية.
حيث يؤدي المعلمون والمرشدون في المبادرة دوراً هاماً في نقل القيم الإسلامية عبر توجيهاتهم وسلوكياتهم اليومية مع الطلاب من خلال التفاعل والمشاركة وطرح الأسئلة.
بالإضافة إلى عرض نماذج حيّة وقصص نجاح تعكس تطبيق القيم الإسلامية في الحياة العملية، من خلالها يمكن تحفيز الطلاب على اعتماد هذه القيم، واستخدمنا التكنولوجيا ووسائل الإعلام لإيصال هذه المفاهيم بطرق مبتكرة وجذابة للطلاب.
الكاتب: فؤاد الديك مدير الموارد البشرية في مبادرة مسارات
لا توجد أفكار عن “فهم القيم الإسلامية: دلالتها وأثرها في بناء المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة”
Pingback: مفاهيم تنمية الذات في الإسلام - حمو جديوي