راية السلام المجتمعي واستقراره ترفرف عالياً فقط عندما نُولي التعليم الاهتمام الكامل، فهو القوة التي تقلب الموازين، التي تجعل الإنسان يرى في الاختلاف إثراءً وفي التحديات فرصاً، لأن معركة البناء التي تطلبها أرض الواقع منّا بعد انتهاء الحرب تكاد تكون أصعب من الحرب ذاتها.
لأنها تتركنا في صراع مع التفاوت والاختلاف بين الأفراد في الآراء وفي مستويات التعليم والصدمات النفسية التي تجعل الناس يسلكون طرقاً تُبعدهم عن المسار الصحيح لبناء الوطن وتحقيق الاستقرار المجتمعي.
ولا يكون السلام والاستقرار إلا بالتعليم، فإن قلنا أن التعليم هو البذرة فإن السلام هو الثمرة، فكيف تنمو الثمار في أرضٍ تعجُّ بالصراع؟ فلا سبيل إلا عبر إحياء تلك الأرض بماء المعارف والعلم، ولعلّ أجمل ما في التعليم أنه يعيد تشكيل الوعي ويعيد صياغة المفاهيم ليصبح الإنسان أكثر استعدادًا للعيش في مجتمعٍ تُحرِّكه الإنسانية.
سنكتشف معكم في هذا المقال دور التعليم في تحقيق السلام المجتمعي على مختلف الأصعدة.
دور التعليم في بناء السلام المجتمعي المستدام
في الفترة التي تأتي ما بعد انتهاء الحرب والنزاع، لا نبالغ في قولنا أنها ضيقة لا يسعنا إلا أن نتدارك تبعات الحرب في وقتٍ الدقيقة منه تُشكّل فارقاً في حياة المجتمع.
ولا يتراود في أذهاننا إلا كلمة السلام التي يبحث الجميع عن تجسيد معناها في أرض أنهكتها الحروب وقامت على أخذ شعبها إلى ضفة أخرى تجعلهم مغيبين عن واقعهم، ولا حلّ لهذه المشكلة إلا التركيز على التعليم ورفع عتبة الوعي والمعرفة عند الأفراد.
وضمن الإطار ذاته فإن مبادرات مثل مبادرة مسارات لها دور مهم في توفير التعليم عن بُعد للمجتمعات المتضررة بالشكل الذي يسهم في إعادة بناء النسيج الاجتماعي وتعزيز السلام المجتمعي.
ما هو دور التعليم في بناء السلام المجتمعي؟
- إن دور التعليم والمعرفة في نهضة المجتمعات لا يمكن إنكاره، إذ يُنمِّي الجوانب العاطفية والمعرفية والاجتماعية والنفسية عند الأطفال والكبار، وذلك بعد الأثر البالغ الذي تركته الحروب عندهم.
- التعليم يرفع من عتبة الوعي عند الفرد ويزرع فيه القيم الفاضلة والسلوكيات الأخلاقية والتي بدورها تجعل الفرد أقل ميلاً للخوض في النزاعات والعنف.
- المباني المدرسية بحدّ ذاتها تعتبر بيئة إيجابية حاضنة للطلاب، كونها تشجع على الاندماج الاجتماعي والابتعاد عن العزلة.
- التعليم يحدّ من مشكلة الفقر عبر إتاحة المجال للشباب بالتعلم والعمل بالاستفادة من معارفهم ومهاراتهم.
- التعليم هو أحد أهداف التنمية المستدامة، لذلك فهو حجر أساس لترميم المجتمع من أضرار الحرب الجسيمة.
دور المعلمين وأثرهم على الطلاب في بناء الاستقرار المجتمعي
المعلم هو ثالث ثلاثة، ويأتي في المرتبة التي تلي الأم والأب في التأثير على الفرد، بتوجيهاته وسلوكياته وشكل حياته كاملاً.
عند انتقال الطفل إلى الفصل الدراسي فإنه ينتقل إلى كنف المعلم والذي لموضعه دور يؤهله للمشاركة في تشكيل مستقبل الطالب.
فإن أحسن المعلم دوره، ساهم في بناء جيل واعٍ يمتلك العقلية المتعلمة القادرة على إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع، أما إذا اكتفى بنقل المعرفة الأكاديمية فقط فإن أثره سيظل محدوداً لا يتجاوز حدود صفحات الدروس في الكتب المدرسية.
كيف يساهم المعلم في بناء الاستقرار والسلام المجتمعي؟
- تهيئة مناخ في الفصل الدراسي: ليكون مناخاً تسوده المحبة والعدل والاحترام والاهتمام.
- زرع القيم الفاضلة في نفوس الطلاب: من خلال توجيه الطلاب نحو احترام الاختلافات الثقافية والدينية والاجتماعية للحدّ من التوترات المجتمعية وبناء ثقافة الحوار والسلام.
- الدعم النفسي والاجتماعي: من خلال تشجيع الأطفال على التواصل والحوار وإبداء الرأي، وتعزيز الثقة بالنفس: فهذه المهارات مفتاح للاستقرار والحد من النزاعات.
- بناء عقلية التفكير المستقل: التي تشجع الفرد على التحليل واستنتاج آرائه بنفسه بدلاً من اتباع الآخرين بمعتقدات وآراء تضر به وبمستقبله.
- تعليم الطالب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات: حتى ينظر لمجتمعه بعين الفاعل الإيجابي في مشكلاته بدلاً من أن يقف مشاهداً للصعوبات التي تمر به.
تأثير التعليم في الحد من النزاعات
حينما يزدهر التعليم في أمة وتتلاشى الجهالة التي تشعل فتيل النزاعات، سيكمن السلاح الأقوى في المعرفة، ولكن ماذا لو استطعنا إيصال التعليم لجميع أفراد المجتمع؟ حينها ستنمو الأجيال على أسسٍ قوية تضمن لهم مستقبلاً أكثر استقراراً وسلاماً.
فمن تعلم بوعيٍ وأنار بصيرته وعقله بنور المعارف لن تحمله نفسه إلى تكرار الأخطاء، ولن يترك نفسه تنقاد وراء نزاعات لا طائل منها، التعليم يهب الإنسان أجنحةً بها يحلق فوق الحواجز التي يخلقها الجهل.
أهم تأثيرات التعليم للحد من النزاعات:
- تعزيز الوعي والقدرة على التفكير النقدي
من خلال التعليم، يكتسب الأفراد القدرة على التفكير النقدي والتحليلي، لفهم تعقيدات النزاعات وتحديد أسبابها الجذرية، هذا الوعي يُسهم في تطوير عقلية لحل المشكلات بطرق سلمية وبنّاءة، يحاجج بالحجة وليس بالعنف.
- نشر قيم التسامح والتعايش
التعليم يفتح المجال لفهم الأفراد لثقافات وآراء مختلفة، لتنمية قيم التسامح والتعايش السلمي، هذا الفهم المتبادل يُقلِّل من احتمالات نشوب النزاعات المبنية على التعصب والتمييز.
- تمكين الأفراد اقتصادياً واجتماعياً
يوفر التعليم المهارات والمعرفة اللازمة للأفراد لتحقيق الاكتفاء الذاتي والمشاركة الفعّالة في الاقتصاد، هذا التمكين يُقلِّل من الفقر والبطالة، وهما من العوامل التي قد تُؤجِّج النزاعات.
- بناء مؤسسات قوية ومستدامة
من خلال التعليم، يتم إعداد كوادر قادرة على بناء وإدارة مؤسسات تقدم نهجاً فاعلاً تُسهم في توفير الخدمات الأساسية، وسدّ النقص في المجتمع في كل القطاعات من أجل الاستقرار المجتمعي.
تحديات وفرص التعليم من أجل السلام في المناطق المتضررة
ليس هناك طريق أقرب للسلام المجتمعي سوى التعليم، وخاصةً من خلال الاستدامة في الممارسات التعليمية، لكن مع ذلك فإن إعادة تأهيل المنظومة التعليمية يواجه تحديات جمّة تحتاج إلى جهود مضاعفة من كل الفئات للوصول إلى بر الأمان.
- تدمير البنية التحتية التعليمية، الأمر الذي يتطلب تدخل منظمات ومؤسسات تُعيد تأهيل المدارس والمباني التعليمية.
- نقص الموارد التعليمية، مثل الكتب المدرسية، ونقص الكادر التدريسي، وعدم وجود دورات تدريبية لتأهيل المعلمين وتدريبهم.
- التهديدات الأمنية، تُشكل النزاعات تهديدًا للأمن الشخصي للطلاب والمعلمين، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات الحضور والانقطاع عن التعليم.
- النزوح والتشرد والسكن في المخيمات، يؤدي إلى فقدان الأطفال لفرص التعليم، بسبب الوضع المعيشي الصعب للطلاب.
- التأثير النفسي على الطلاب، يتعرض الطلاب في مناطق النزاع لصدمات نفسية تؤثر على قدرتهم على التعلم والتركيز.
كيف تساهم مسارات في تنمية التعليم المستدام في سوريا لتحقيق الاستقرار المجتمعي؟
مبادرة مسارات من أبرز المبادرات التعليمية التي ساهمت بشكل كبير في تنمية التعليم المستدام في سوريا، خاصةً في مجال التعليم عن بُعد، منذ انطلاقها في عام 2019 ركزت مسارات على توفير التعليم المجاني عن بُعد للسوريين مع التركيز على الفئات الأكثر احتياجًا مثل الأيتام وذوي الهمم والنازحين.
تقدم مسارات نموذجًا متكاملًا للتعليم عن بُعد، يشمل:
- التعليم المدرسي: توفير مناهج تعليمية تفاعلية من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، تتيح للطلاب متابعة دراستهم في أي زمان ومكان.
- الأنشطة الطلابية: تنظيم فعاليات وأنشطة تساهم في تنمية مهارات الطلاب الاجتماعية والعقلية.
- الإرشاد الأكاديمي: تقديم استشارات ومساعدات للطلاب في اختيار التخصصات الجامعية المناسبة وتوجيههم في مساراتهم التعليمية.
- التدريب المهني: توفير دورات تدريبية تهدف إلى تطوير مهارات الشباب المهنية وزيادة فرصهم في سوق العمل.
في النهاية، نزيد تأكيدنا على أن التعليم هو البداية والخطوة الأولى التي نبدأ بها مشوارنا الطويل لإصلاح الأفراد من أجل الاستقرار المجتمعي الذي هزت كيانه الحروب والنزاعات.