لو تأمّلنا لهجات الوطن العربيّ لرأينا أنّه لكل بلد لهجته الخاصّة به كالخليج ومصر والشّام، ولو دقّقنا أكثر سنجد اللهجة في البلد الواحد تتفرّع إلى لهجات محلّيّة، فهناك اللهجة الدّمشقيّة والحلبيّة والحمويّة والحمصيّة والإدلبيّة والدّيريّة.
وذلك شأن العربيّة ولهجاتها، ولغة قريش كانت اللغة المثاليّة الخالية من العيوب، وقد نظم الشّعراء العرب جُلّ أشعارهم على لهجة قريش؛ لأنّها كانت لها مكانة سامية في نفوس العرب، فكانت المعلّقات وأشعار فحول الشّعراء على لهجة قريش؛ وفي ذلك قال الأصمعيّ: (ارتفعتْ قريشٌ في الفصاحة عن عنعنة تميم، و تلتلة بهراء، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجّع قيس، وعجرفيّة ضبة)
سبب اختلاف لهجات القبائل العربية
كلمة لغة تعنى اللهجة، عندما نقول لغة أهل قريش وذلك يعنى لهجتهم، فإذا ما بحثنا عن سبب اختلاف اللهجات وجدنا أحد أهم الأسباب هو اختلاط العرب بالتجارة والأسواق، وأيضاً اختلاف بيئة كل قبيلة عن أخرى أدى إلى تنوع اللهجات العربية واختلافها.
ولا يمكننا ألا نتحدث أن العوامل الجغرافية هي أحد الأسباب التي جعلت اللهجات متنوعة في شبه الجزيرة العربية.
كيف كانت لهجات قبائل العرب الأخرى؟
في الحقيقة كانت في لهجة كلّ قبيلة ظاهرة لغويّة جديرة بالدّراسة، ولا يغيب عن بالنا عندما سأل أحد أهل اليمن النبيّ صلى الله عليه وسلّم بلغة اليمن آنذاك، وهم يستخدمون لتعريف الكلمة الألف والميم، فقال الرّجل سائلاً: (هل من امبرّ امصيام في امسفر؟) فردّ عليه صلّى الله عليه وسلّم . (ليس من امبرّ امصيام في امسفر)
وأهمية الإشارة إلى لهجات القبائل العربية، هو أساس الاختلاف؛ فلكل قبيلة ظاهرة لغوية خاصة بها نشير إليها مع ذكر مثال يوضحها:
1- القُطْعَة: يا أبا الحكم ، ينطقونها يا بلحكم، وهذا خاص بقبيلة طيّئ.
2- العجعجة: وهي إبدال الجيم المشدّدة أو المخففة جيما ، وهذه اللهجة عند بني قضاعة وبني سعد ، وذلك كقول الشّاعر:
خالي عُويْفٌ وأبو علجِّ المطعمان الشّحم بالعشجّ
وبالغداة فلقَ البرْنجِّ
يقصد الشّاعر بعلجّ: عليّ، وبالعشجّ: العشيّ، وبالبرنجّ: البرنيّ، والبرنيّ من أفضل أنواع التّمر.
3- العنعنة: وهي إبدال الهمزة المفتوحة عينا، وهي خاصّة بقبيلة تميم وقيس وأسد، فيقال عنعنة تميم، وهذه اللهجة موجودة عند بعض قبائل البدو فيقولون (أسعلك سُعال) يريد: أسألك سؤالاً.
يقول ذو الرّمّة:
-أعّنْ ترسّمتَ من خرقاءَ منزلةً ماءُ الصّبابةِ من عينيكَ مسجومُ
يقصد أن ترسّمتَ
ويقولون في الأذان: أشهدُ عنّ محمّداً رسولُ الله
ويقول الشّاعر جِران العوْد:
فما أُبْنَ حتّى قلْنَ: يا ليتَ عَنّنا ترابٌ وعّنَ الأرضَ بالنّاسِ تُخسفُ
4-الكَشْكَشة: وهي إبدال الكاف شيناً، في بني سعد وبني ربيعة ، كما قال الليث،إبدال الشّين من كاف الخطاب المؤنّثة خاصّة،يقول المجنون:
فعيناشِ عيناها، وجيدشِ جيدها ولكنّ عظمَ السّاقِ منشِ رقيقُ
أراد الشّاعر: عيناكِ، جيدُكِ، منكِ
وقد تكون الكشكشة بزيادة شين بعد الكاف المجرورة، مثل: عليكِش, منكِش، بكِش.
ونادت أعرابيّة جاريةً لها فقالت: (تعالي ،مولاشِ يناديشِ) تقصد مولاكِ يناديكِ.
5-الكَسْكسة: إلحاق السين بعد كاف المؤنّث، وذلك عند الوقف، وهي خاصّة ببني تميم، قيل لبكر وهوازن، أبوكِس (أبوكِ) مررتُ بكس (مررتُ بكِ)، وبعضهم يقلب الكاف سيناً: أبوسِ وأمّسِ، يريد أبوكِ وأمّكِ.
6-التّلتلة: وهي كسر أوّل الفعل المضارع، ويسمّيها البعض تلتلة بهراء، وقد قرأ يحيى بن وثّاب: (ولا تِركنوا إلى الّذينَ ظَلَموا )
و أيضاً (مالكَ لا تِئمنّا على يوسفَ) و(إيّاكَ نِستَعين)
7-الطّمْطَمانيّة: وهي إبدال لام (أل) التعريف ميما، يقولون طمطمانيّة حِميَر، فهي تشبه كلمات العجم لما فيها من الألفاظ المنكرة، يقول عنترة:
-تأوي له حزقُ النّعامِ كأنّها حزقٌ يمانيةٌ لأعجمَ طمطمِ
فيقولون: طاب امهواء، يريدون: طاب الهواء.
8-الوكم: وهو كسر الكاف المسبوقة بياء أو كسرة ، وذلك في لغة ربيعة من بني كلب، فيقولون : السّلام عَلَيكِم، بكسر الكاف
9-الوهم: كسر الهاء ، وإن لم تُسبق بكسرة أو ياء ، في بعض قبائل بني كلب، فيقولون : منهِم وعنهِم .
10-الاستنطاء: وهي قلب العين السّاكنة نوناً، وهذه لغة أهل اليمن وكثير من قبائل العرب، وما زالت هذه اللغة مستخدمة حتّى الآن عند عشائر العرب، فيقولون (انطنيي بدلاً من اعطيني)
وقد رُوي العديد من الأحاديث بهذه اللغة كقوله صلّى الله عليه وسلّم:(اليد العليا المنطية واليد السّفلى المنطاة)
وقد قرأ بعضهم: ( إنّا أنطنياكَ الكوثر)
11-الوَتْم: قلب السّين تاءً، وهو في لغة بعض أهل اليمن
يقول الشّاعر: يا قاتلَ اللهُ بني السّعلاةِ عمرو بن يربوعٍ شرارُ النّاتِ
غيرُ أكفاءٍ ولا أكياتِ
أراد الشّاعر شرار النّاس، ولا أكياس
12- الشّنْشَنة: وهي قلب الكاف شيناً على الإطلاق، وذلك في لغة أهل اليمن، فيقولون: لبّيشَ اللهُمّ لبّيش، يريدون لبّيكَ اللهم لبّيك
13- اللخلخانيّة: وهي العجز عن إرداف الكلام بعضه ببعض، لخّ الرّجل في كلامه، أي جاء كلامه ملتبساً غير واضح، ونجد هذه اللغة عند أهل عمان وأعراب الشّحر، فيقولون: “مشا الله” بدلا من ما شاء الله.
14- العجرفيّة: وهو التقعّر في الكلّام، وتُنسب إلى ضبّة؛ وذلك لتقعّرهم في مكانهم.
15- الفحْفحة: وهي جعل الحاء عيناً ،وكانت في هُذيل، ومنه قراءة ابن مسعود (عتّى عين) يقصد (حتّى حين)
بعد أن استعرضنا أهم لهجات القبائل العربيّة، إنّ تعدّد هذه اللهجات لا يُعدّ انتقاصاً للغة العربيّة؛ بل إنّه أمر عاديّ، إذا أخذنا بعين الاعتبار امتداد القبائل العربيّة على الجزيرة العربيّة والعراق واليمن، لذا لو تأمّلنا واقعنا لرأينا اختلافا في لهجات البلدات التي لا تفصل بينها إلّا كيلومترات قليلة، فكيف الحال مع امتداد قبائل العرب من اليمن إلى جزيرة العرب والعراق.
الكاتب: أ. عبد المنعم العبدو مدرس اللغة العربية في مبادرة مسارات