عرفنا في المقال السابق بأن البحث العلمي جهد إنساني عقلي منظم وفق منهج محدد في البحث، ويتضمن خطوات وطرائق محددة ويؤدي إلى تحقيق معرفة عن الكون والنفس والمجتمع، ويسهم في تطوير أنماط الحياة وحل المشكلات التي تواجه الفرد والجماعة.
البحث العلمي
البحث العلمي يُعتبر حجر الأساس في التقدم والابتكار في المجتمعات الحديثة. وهو عملية منظمة لجمع المعلومات، والعمل على تحليلها منطقياً لأغراض معينة.
أهمية البحث العلمي
إنه لا يقتصر على توسيع مجالات المعرفة فحسب، بل يُسهم أيضًا في حل مشكلات عملية وتحسين جودة الحياة. هناك العديد من الأسباب التي تُبرز أهمية البحث العلمي:
- توليد المعرفة الجديدة: البحث العلمي يساعد على اكتشاف معلومات وحقائق جديدة التي يمكن أن تساهم في تعميق فهمنا للعالم من حولنا، من الكون إلى الكائنات الحية الدقيقة.
- حل المشكلات: تبرز أهمية البحث العلمي في حل المشكلات من حيث أنه يوفر الأساليب والأدوات اللازمة لمعالجة التحديات العالمية مثل التغير المناخي، الأمن الغذائي، والأمراض. من خلال التحقيق العلمي، يمكن تطوير استراتيجيات وتقنيات جديدة للتغلب على هذه التحديات.
- تحسين السياسات العامة واتخاذ القرارات: الأبحاث العلمية تقدم بيانات وتحليلات موضوعية يمكن استخدامها لتشكيل السياسات العامة وتحسين عمليات اتخاذ القرار في مختلف القطاعات، من الصحة العامة إلى التنمية الاقتصادية.
- تعزيز التكنولوجيا والابتكار: البحث يقود إلى التطوير التكنولوجي الذي يعد عنصرًا أساسيًا في النمو الاقتصادي والتنافسية الصناعية. الابتكارات الناتجة عن البحث العلمي يمكن أن تؤدي إلى إنشاء صناعات جديدة وتحسين الصناعات القائمة.
- التعليم والتدريب: البحث العلمي يلعب دورًا مركزيًا في التعليم الأكاديمي، حيث يدرب الطلاب على التفكير النقدي، حل المشكلات، والابتكار. كما يوفر الفرص للطلاب للمشاركة في مشروعات بحثية يمكن أن تعزز مهاراتهم المهنية والأكاديمية.
- الاستدامة وإدارة الموارد: البحوث تساعد في تطوير تقنيات وطرق جديدة للحفاظ على الموارد الطبيعية واستخدامها بطريقة أكثر فعالية واستدامة.
- الرفاهية الاجتماعية والثقافية: البحث يمكن أن يساهم في تحسين الفهم الثقافي وتعزيز الرفاهية الاجتماعية من خلال تطوير فهم أعمق للديناميكيات الاجتماعية والثقافية.
طرق البحث عن المعرفة والحصول عليها
وعليه فإن هناك طرقاً للحصول على المعرفة هي:
أولاً الخبرة الحسية
الحواس نافذة الإنسان إلى العلم (يرى ويشم ويتذوق ويلمس) لكن الخبرة الحسية وحدها لا تكفي. للتأكّد من المعرفة، فكثير ما تنخدع الحواس فيحتمل ذلك درجة من الخطأ، كأن نسمع صوت إطلاق نار من مسدس والحقيقة هو صوت مدخنة سيارة أو دراجة نارية وكما نخال السراب ماء.
ثانياً الاتفاق مع الآخرين
بما أن الفرد يعيش في وسط اجتماعي يؤثر ويتأثر به فأنه يطمح إلى أن يشاركه الآخرون من خلال حواسهم وعندئذٍ يستطيع التحقق من مصداقية حواسه مقارنة مع إدراكات الآخرين الحسية، وبنفس الوقت هذا لا يمنع من أن يختلف معهم فمثلاً يرى مستشار مادة الرياضيات أن طريقة الأستاذ (عبد الحميد) ناجحة ومستشار آخر يرى العكس، فلا بد من البحث عن مصدر آخر أكثر يقيناً للحصول على تلك المعرفة.
ثالثاً آراء الخبراء
يواجه الفرد مشكلات متعددة قد لا يتمكن من حلها وحده فيلجأ إلى بعض الأشخاص المؤهلين في حقل من حقول المعرفة والذين يوصفون بالخبراء في مجال تخصصهم، حيث تتوافر لديهم معرفة معمقة عما نحن بحاجة إليه.
رابعاً المنطق
المنطق الاستنباطي يقول إن ما يصدق على فئة من الأشياء أو الأحداث يصدق على أي واحد منها مثال: كل مبادرة ناجحة (مقدمة كبرى)، مسارات مبادرة (مقدمة صغرى) يعني أن مسارات ناجحة (نتيجة). استخدم المنطق الاستنباطي وسيلة مهمة في الوصول إلى المعرفة لكثير من أصحاب المهن كالمحامين والمحققين حيث يقودهم المنطق الاستنباطي للوصول إلى استنتاجات من حقائق معطاة أو مشتقة من مشاهدات حسية.
خامساً الطريقة العلمية
تتضمن الطريقة العلمية أساساً لاختبار الفرضيات وذلك عندما يتمكن الباحث من عملية الربط بين الحوادث أو الوقائع بحيث نعرف أن هذه الارتباطات هي حقائق.
أهداف البحث العلمي
تتجلى أهداف البحث العلمي في أربعة أشياء هي:
الوصف (الفهم)
تبدأ عملية المعرفة بالوصف ويقصد به قدرة الباحث على إقامة الدليل على أن ظاهرة ما موجودة فعلاً، إضافة إلى القدرة على تحديد مدى توافرها، تتطلب عملية تحديد مظاهر السمات النفسية والتربوية، والتعرف إلى جميع المتغيرات المرتبطة بها من حيث تحديد درجة كل متغير من هذه المتغيرات. مثل دراسة (بياجيه) بدأ بملاحظة سلوك أطفاله ومن ثم وصفه وصفاً دقيقاً.
التفسير
وهو البحث عن أسباب حدوث الظاهرة أو العوامل السابقة التي ساهمت في إحداثها وتقديم ذلك في صورة علاقة أو تعميم يحدد من خلالها تلك العوامل التي أثرت في هذه الظاهرة.
التنبؤ
قدرة الباحث على توقع حدث قبل وقوعه فعلاً، مثال: معلمو مسارات الذي يفهمون العوامل التي تؤدي بالطلاب إلى التفوق في الدراسة فإنهم قادرون على التنبؤ بمن سيكون من طلابهم متفوقاً ومن سيكون عكس ذلك.
الضبط والتحكم
وهو العملية التي يمكن من خلالها العمل على ضبط الظروف التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة ما، بحيث يتمكن الباحث من التحكم بها، ويجعل عدم حدوثها أمراً محتملاً. حيث إن السيطرة أو الضبط هو تحكم في الأسباب المؤدية إلى حدوث الظاهرة وليس السيطرة على الظاهرة نفسها.
مشكلات البحث العلمي
البحث العلمي، على الرغم من أهميته الكبيرة، يواجه العديد من التحديات التي قد تؤثر على جودته وفعاليته.
هذه بعض من أبرز صعوبات البحث التي يمكن أن تواجه الباحثين:
- تمويل البحوث: الحصول على تمويل كافٍ للبحوث يعد تحديًا كبيرًا، خاصة في المجالات التي لا تبدو ذات أولوية مباشرة للممولين أو تلك التي تتطلب استثمارات طويلة الأجل.
- البيروقراطية والتنظيم: القيود الإدارية والبيروقراطية يمكن أن تعيق التقدم السريع في البحث العلمي. التأخير في الموافقات الأخلاقية، التسجيل، والتنظيم الحكومي يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ البحث أو حتى توقفه.
- الضغوط لنشر الأبحاث: ضغط النشر يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مثل “نشر أو تحطم” (publish or perish)، حيث يشعر الباحثون بالحاجة لنشر نتائجهم بسرعة لضمان التقدم الوظيفي أو الحفاظ على التمويل، مما قد يقلل من جودة الأبحاث.
- قضايا النزاهة والأخلاق: يواجه الباحثون تحديات تتعلق بالحفاظ على عالية المعايير الأخلاقية والنزاهة العلمية، بما في ذلك الصدق الفكري والشفافية وتجنب السرقة الأدبية والتلاعب بالبيانات.
- تكرار الدراسات والتحقق من صحتها: يصعب أحيانًا تكرار الأبحاث بسبب عدم كفاية الوصف للمنهجيات أو بسبب الاختلافات في الظروف التجريبية، مما يؤدي إلى تحديات في التحقق من صحة النتائج.
- النفاذ إلى المعلومات: الوصول إلى المجلات العلمية والأبحاث يمكن أن يكون مكلفًا، وقد يحد من قدرة الباحثين، خصوصًا في الدول النامية، على الاطلاع على أحدث التطورات في مجالاتهم.
- تحديات البيانات الكبيرة: مع تزايد حجم وتعقيد البيانات في العديد من المجالات البحثية، تصبح تحديات إدارة البيانات وتحليلها أكثر إلحاحًا.
- التعاون والتواصل: التحديات في التعاون الفعال بين الباحثين من مختلف التخصصات أو الجغرافيا يمكن أن تحد من تقدم البحوث متعددة التخصصات.
دور المعلم في تنمية البحث العلمي وإشباع الحاجات لدى الطلاب
عندما يعلم المعلمون من مراجعة الأدب التربوي أن الإحباط يقود إلى ممارسة سلوكيات عدوانية فإنهم استناداً لهذا الافتراض يمكن التحكم بسلوك الطلاب لذا يجب على المعلم إشباع حاجات الطلاب بدرجات الإشباع وهي:
- التعبير
- الارتيا
- تعزيز الانتماء
عند عدم إشباع المعلم حاجات الطلاب فإنه يدفعهم إلى ممارسة السلوكيات العدوانية. في المقالة القادمة سنشير إلى افتراضات المنهج العلمي وأخلاقيات البحث التربوي ومشكلات البحث العلمي.
الكاتب: أ.محمود السلوم قائد مسار التعليم المدرسي في مبادرة مسارات