مبادرة مسارات

الذاكرة والضغوط النفسية: كيف تحمي ذكرياتك في أوقات الأزمات؟
14 فبراير، 2024
محتوى المقال

في عالم متسارع الخطى حيث المعلومات تغمرنا من كل جانب، تبرز أهمية الذاكرة كمفتاح لفهم كيف نعالج، نخزن، ونسترجع البيانات التي نتلقاها يوميًا، وتعتبر الذاكرة أحد أبرز القدرات العقلية، التي تلعب دورًا حاسمًا ليس فقط في التعلم والتطور الشخصي، ولكن أيضًا في تشكيل تجاربنا وهويتنا.

 

تهدف هذه المقالة إلى استكشاف الآليات العقلية التي تمكّن الدماغ من تخزين المعلومات واسترجاعها، مع توضيح كيف تؤثر العوامل المختلفة مثل النوم، الشيخوخة، والضغوط النفسية على قدرتنا على تذكر الماضي والتخطيط للمستقبل. بفهم أعمق للذاكرة وتأثيراتها، من خلال تسليط الضوء على مفهوم الذاكرة.

 

مفهوم الذاكرة

الذاكرة: هي إحدى قدرات الدماغ التي تُمكِّنه من تخزين المعلومات واسترجاعها.

غالباً ما تفهم الذاكرة على أنها نظام معالجة معلومات ولها وظائف صريحة وضمنية مكونة من معالجات حسية، ذاكرة قصيرة الأمد وذاكرة طويلة الأمد.

 

تساعد المعالجات الحسية على الشعور بالمعلومات من العالم الخارجي على شكل إيعازات فيزيائية وكيميائية، والتعامل معها على أساس مستويات مختلفة من التركيز والعزم.

 

تعمل الذاكرة قصيرة الأمد كمعالج ترميز واسترجاع، أي يتم تشفر المعلومات التي تكون على هيئة إيعازات وفقاً للوظائف الصريحة والضمنية من قبل معالج الذاكرة قصيرة الأمد، وتقوم كذلك باسترجاع معلومات من مواد مخزونة سابقاً.

 

وبعد مرور عدة ثوانٍ إلى دقائق قليلة تختفي معظم المعلومات من الدماغ، فهي إما أن تصبح منسية أو تنتقل إلى مستوى التخزين في الذاكرة طويلة الأمد.

 

كيف تحتفظ الذاكرة بالمعلومات؟

ويكون التكرار والتدريب من الطرق الرئيسية التي تنتقل بواسطتها المعلومات إلى الذاكرة الطويلة.

وتكون وظيفة الذاكرة طويلة الأمد خزين البيانات من خلال نماذج وأنظمة مختلفة، تُعرف هذه الأنظمة الصريحة والضمنية للذاكرة على أنها أنظمة تصريحية وغير تصريحية.

 

بحيث تكون الذاكرة الصريحة هي الخزين الإدراكي والبيانات المتعلقة بالذكريات.

 

أما تحت الذاكرة الصريحة فتكمن الذاكرة الدلالية والعرضية، حيث تشير الذاكرة الدلالية إلى الذاكرة التي ترمز بمعنى معين، في حين أن الذاكرة العرضية تشير إلى المعلومات التي يتم تشفيرها على طول المستوى الزماني والمكاني.

 

ومن الجدير بالذكر أن الذاكرة ليست معالج مثالي، وتتأثر بالعديد من العوامل، وإن الطريقة التي تُرّمِز وتحفظ فيها المعلومات من الممكن أن تتعرض للتلف.

 

الذاكرة والنوم

يعمل المخ أثناء النوم بنشاط، فخلال النهار يحفظ المخ المعلومات في مخزن مؤقت، ثم يبدأ في تفصيلها وتجهيزها أثناء النوم لإيداعها في الذاكرة الطويلة.

 

وفي الذاكرة الطويلة تنسّق المعلومات وتُربط مع معلومات أخرى سابقة، ويفرغ المخزن المؤقت معلوماته ويستطيع بذلك تخزين معلومات جديدة وتأثيرات تتوالى عليه بسرعة كبيرة أثناء اليقظة.

 

ثم تأتي عملية تنسيق المعلومات والانطباعات في الذاكرة الطويلة التي يقوم بها المخ أثناء النوم، وتكون أحسن ما يمكن أثناء النوم العميق.

 

كما يستطيع المخ إظهار حلاً لمشكلة أثناء النوم أو حتى حلاً لمسألة رياضية لم تخطر على بال صاحبها وهو مستيقظ. ولكن يكون الحل مبنياً هو الآخر على ما سبق وأنْ تعلّمه الشخص أثناء اليقظة.

 

الذاكرة والنسيان

نفرق بين نوعين من النسيان: الأول تختفي معه المعلومات، أما الثاني فلا تكون المعلومات قد اختفت كلياً وإنما يصعب التوصل إليها بسبب تراكم معلومات جديدة عليها.

 

والمهم في ذلك أن تكون المعلومات قد انتقلت من الذاكرة المؤقتة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة، إذ إن كل الانطباعات والمعلومات تخزن أولاً في الذاكرة القصيرة المؤقتة حيث ينشط تبادل إشارات كهربية بين مليارات من الخلايا العصبية.

 

إلا أن الذاكرة القصيرة لها سعة محدودة للاحتفاظ بالمعلومات بحيث تأخذ معلومات جديدة مكان معلومات قبلها مثل ذاكرة الوصول العشوائي في الحاسوب والتي تسمى الرام، ويصل جزء قليل من تلك المعلومات والانطباعات إلى الذاكرة الطويلة، بينما يضيع الجزء الآخر ويُنسى.

 

الذاكرة والطفولة

تشير مجموعة من الأبحاث إلى أن الرضّع في عمر 6 أشهر يستطيعون تذكر المعلومات بعد مرور 24 ساعة، علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أنه كلما كبر الأطفال كلما تمكنوا من خزن المعلومات لفترات زمنية أطول. حيث يمكن للأطفال في عمر 6 أشهر تذكر الأحداث بعد مرور 24 ساعة، بينما يتذكر الأطفال ممن أعمارهم 9 أشهر الأحداث بعد مرور 5 أسابيع، ويتذكر الأطفال الذين أعمارهم 20 شهر الأحداث حتى بعد مرور 12 شهر، بالإضافة إلى ذلك مع ازدياد العمر تزداد سرعة خزن المعلومات.

 

الذاكرة والشيخوخة

أحد أكثر الأمور المسببة للقلق بالنسبة لمن يمر بمرحلة الشيخوخة هو فقدان الذاكرة، لأن هذه الحالة هي السمة المميزة لمرض الزهايمر.

 

على كل حال، يختلف فقدان الذاكرة في مرحلة الشيخوخة عن هذا الذي يحدث في مرض الزهايمر بطريقة نوعية.

بكل الأحوال فإن الأداء الفردي لمهام الذاكرة والذي يعتمد على المناطق الجبهية يقل بازدياد العمر.

 

يميل كبار السن إلى إظهار عجز في المهام التي تتضمن معرفة الترتيب الزمني الذي تعلموا فيه المعلومات؛ مهام الذاكرة التي تتطلب منهم تذكر مواقف أو سياقات معينة بنفس الطريقة التي تعلموا بها المعلومات؛ ومهام الذاكرة المستقبلية التي تتضمن تذكر القيام بفعل ما في المستقبل.

 

تأثير الضغوط النفسية على الذاكرة

تشمل التأثير في قدرة الشخص على تشفير الذكريات بالإضافة إلى قدرته على استرجاع المعلومات خلال أوقات الضغط النفسي.

 

حيثُ يتفاعل الجسم عن طريق إفراز هرمونات التوتر في مجرى الدم، وبذلك قد تسبب الضغوط النفسية تغيرات حادة ومزمنة في مناطق معينة من الدماغ والتي يمكن أن تسبب تلفاً طويل الأمد، غالباً ما يؤدي فرط إفراز هرمونات التوتر إلى إضعاف الاسترجاع المتأخر للذاكرة طويلة الأمد، ولكن يمكن أن يعزز الاسترجاع الفوري للذاكرة قصيرة الأمد، ويعد هذا التحسن هنا نسبياً بشكل خاص في الذاكرة العاطفية.

 

وتؤثر الضغوط النفسية على العديد من وظائف الذاكرة والوظائف الإدراكية للدماغ، وتوجد مستويات مختلفة من التوتر يمكن أن تكون داخلية أو خارجية المنشأ، حيث تتحفز مستويات الضغط الداخلي عبر مهام معرفية، في حين يمكن تحفيز الضغط الخارجي بمؤثرات غير معرفية.

 

الأشخاص المعرضون عادةً لضغوط، هم أكثر احتمالاً للتعرض لخلل في الذاكرة مقارنة بمن يتّسمون بمزاج أكثر مرحاً، وإن هؤلاء الذين عادةً ما ينتابهم قلق أو ضغوط تزيد لديهم احتمالات إصابتهم بخلل متوسط في الإدراك، وهو صورة من صور فقدان الذاكرة.

 

وفي رحلتنا في عالم الذاكرة، نقف على أهمية هذه القدرة العقلية الفريدة التي تمكننا من ربط ماضينا بحاضرنا وتخطيط مستقبلنا. لقد استكشفنا كيف تعمل الذاكرة كأرشيف حي لتجاربنا، تخزن اللحظات الثمينة والمعارف المكتسبة، وتؤثر بشكل مباشر على تصرفاتنا وقراراتنا. كما رأينا، تعتبر الذاكرة عملية ديناميكية ومعقدة، معرضة للتأثر بالعديد من العوامل مثل النوم، الضغوط النفسية، الشيخوخة، والتغذية.

 

من الضروري الاعتناء بصحتنا العقلية والجسدية للحفاظ على ذاكرة قوية ومرونة إدراكية. سواء كان ذلك من خلال تقنيات تحسين الذاكرة، النوم الكافي، أو التقليل من الضغوط النفسية، كل خطوة نتخذها تساهم في دعم قدرتنا على التذكر والتعلم. في النهاية، تُظهر لنا الذاكرة أن كل لحظة نعيشها تسهم في نسج النسيج المعقد لحياتنا، مما يؤكد على أهمية العيش بوعي واهتمام باللحظة الراهنة. لنغتنم الفرصة لتعزيز ذاكرتنا وبالتالي، تحسين جودة حياتنا.

 

الكاتب: أ. سامر العلوش مدرس مادة العلوم في مبادرة مسارات

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شارك المحتوى عبر:

محتوى المقال