في أروقة الرياضيات، حيث يتعانق الأبيض والأسود على باب مزيّن بشعار “كن رصينا”، وُجد تجريد وتعميم يُعقّدان فهمها ويجعلان منها ميدانًا للقلة القادرة على تحمّل جمودها والعباقرة الذين يرون فيها ملاذًا.
لطالما كانت الرياضيات في نظر الرياضياتيين وسيلة لاستشعار مشكلات الواقع ونقلها إلى عوالم التجريد، قبل أن تُعيد صياغتها وتقدمها في قالب عملي إلى حيث بدأت.
مع ذلك، لم تكن جهود الرياضيات النبيلة كافية لسد رمق الحاجات الإنسانية اللانهائية، ولا لمعالجة المعضلات المتجددة التي يعاني منها الناس يوميًا، مما جعل البعض ينظرون إليها بعين الجحود ويتهمونها بالتقادم والتحجر.
ومن هنا، ارتفع صوت المدافعين عن الرياضيات، أولئك العلماء الشجعان الذين اكتشفوا جوهرها واستمتعوا بغموضها. من بين هؤلاء كان علي لطفي عسكر زادة، المهندس الكهربائي، الذي بدأ مهمته في الدفاع عن هذه الأم الرؤوم، مستلهمًا من جورج بول، ومعتبراً: الانتماء هو الوجود واللانتماء هو العدم، وبينهما تتراوح درجات الانتماء والصحة.
وبهذا المفهوم، أخذ لطفي عسكر زادة يُعيد تصور الرياضيات بعيون ملونة، يُظهر لنا كيف يمكن للسن تحديد درجة “الشباب”، وكيف يمكن للتدرج أن يوسع نطاق الصواب والخطأ.
من هنا، تطور المنطق الضبابي ليصبح المنطق الحدسي الضبابي، مما أتاح لنا إمكانيات جديدة للتنقل بين الأبيض والأسود.
وأخيراً، جاء فلورانتين سمرنداتشه ليضيف بُعد الحياد، مفجرًا بذلك ثورة في الأوساط العلمية وموسعاً الرؤية لتشمل كل الألوان المعروفة والمحتملة. ومع هذا التحديث المستمر للمفاهيم الرياضية، يُظهر لنا كيف أن الرياضيات، بمرونتها الجديدة، تستطيع استيعاب التحديات المعقدة والمتغيرة.
وفي النهاية، يُعيد الإنسان النظر في تقييمه للرياضيات، معترفًا بعظمتها ومكانتها، مُردداً بإجلال ما علمه الله لآدم من أسماء كل شيء.
د. أحمد خطيب مستشار في مبادرة مسارات