هل شعرت بأنك مميز بين أصدقائك يوما ما, ويخبرونك بكل تفاصيل يومهم أو مشاكلهم, يعتبرونك أول صديق يتصلون به إذا ما أصابهم طارئ ما, أو حدث معهم شيء أُجبروا فيه على طلب المساعدة, وبالمقارنة مع غيرك من أعضاء الفريق الذي تعمل فيه, هل تلاحظ أنهم يقترحون اسمك لأخذ قرارات مصيرية؟ أو عند حساب فاتورة المطعم يقومون بالطلب منك تقسيم المبلغ على عددهم لقدرتك العالية على التعامل مع الأرقام؟

إننا وبطريقة شعورية ولا شعورية نقرأ تفكير وشخصيات من حولنا, ونحاول جاهدين أن نبني تصور عن إمكانياتهم, وقدراتهم وحتى طريقة تفكيرهم واتخاذهم للقرارات بل وحتى نتنبأ بردات أفعالهم.

فهل هناك طريقة علمية صحيحة ومعتمدة لنعرف فيها أنماط تفكيرنا وتفكير ممن حولنا! 

تعريف بمقياس هيرمان: فهم الأسس العلمية والتاريخية

هذا ما سأله العالمين نيد هيرمان وبيتر توبولو، اللذين عملا في شركة هيرمان الدولي (Herrmann International)، وهي شركة استشارات وتدريب متخصصة في تطوير الأفراد والمؤسسات. تم نشر الإصدار الأول لهذا المقياس في عام 1980.

نيد هيرمان كان يعمل أستاذًا جامعيًا ومستشارًا تنفيذيًا في مجالات الإدارة وعلم النفس التنظيمي، إلى جانب اهتمامه بتأثير أنماط التفكير على أداء الفرق والمؤسسات. اعتمد هيرمان وتوبولو على نظرية عالم النفس السويسري كارل يونغ حول الأنماط الشخصية في تطوير مقياسهم، والذي يقسم التفكير البشري إلى أربعة أنماط رئيسية: نمط التفكير التحليلي وأعطاه الرمز A ، ونمط التفكير التنفيذي B، ونمط التفكير الإنساني أو العاطفي C, وأخيرا نمط التفكير الإبداعي D, و الإنسان لديه الأربعة أنماط لكنه مميز بنمط واحد على الأقل. 

أنماط التفكير في مقياس هيرمان وتأثيرها على العلاقات الشخصية والمهنية

فصاحب نمط التفكير التحليلي: هذا الشخص يفضل النمط القائم على المحاضرات، ويميل إلى التحليل الموضوعي والمنطقي. يتميز بتفكير ناقد واهتمام بالحقائق والبيانات والإحصائيات، كما يميل إلى التعامل مع التقنيات ويركز على تحقيق الأهداف وتقييم النتائج. ويتخذ القرارات بصرامة وبناءً على الملاحظات الشخصية، متجنبًا التحيز والعواطف.

أما النمط الثاني التنفيذي: هذا الشخص يفضل التعلم من خلال العمل المنظم والمخطط، ويميل إلى العمل الإداري والتنفيذي، ويضع التركيز على الإجراءات والتفاصيل، ويهتم بالوقت والطرق المكتبية، ويحب العمل في بيئة محافظة ومنظمة، ويفضل الطرق التقليدية في التفكير. يتمتع بشغف للتعلم والعمل بخطوات مدروسة ويعنيه التسلسل الزمني والتاريخي والمكاني، كما يحتفظ بعلاقة صارمة مع الأمور المالية. يتميز بشغفه لتحقيق أفكاره ورؤيته تتقدم بالتدرج، ويثق بنفسه كونه أداة فعالة في تنفيذ المهام.

وبالنسبة لنمط التفكير الإنساني أو العاطفي: هذا الشخص يفضل العمل التعاوني ونقاش المجموعات، ويستمتع بالعمل الكتابي والقرائي، بالإضافة إلى التواصل عبر لغة الجسد والتعبير الوجهي، ويفضل تمثيل الأدوار كوسيلة للتواصل والتعبير. يسعى دائمًا إلى بناء علاقات مع الآخرين، ويتميز بالعاطفة الجياشة والمشاعر المرهفة، بالإضافة إلى البديهة الحسية والالتزام الروحي والأخلاقي.

والنمط الأخير نمط التفكير الإبداعي: هذا الشخص يُفضل الأنشطة الحرة مثل العصف الذهني واستخدام التشبيهات المجازية والصور البصرية، ويستخدم الخرائط العقلية لتنظيم أفكاره، ويفضل النظرة الكلية في التفكير. يتميز بتكيّفه الجيد مع البيئة ويحب دمج المفاهيم والعناصر المختلفة في شيء جديد. لا يحب العمل في طرق مقيدة و مرتجلة، بل يعتمد على الخيال كثيرًا ويهتم بالمستقبل. قد يكون متمردًا يميل للمخاطرة والتحدي والتجربة.

صمم هذا المقياس على 120 سؤالا في نهايته ستظهر مجموعة من الأرقام أمام كل رمز ورقم, والرقم الأعلى هو ما يمثل نمط التفكير, هناك 56 سؤالا مجانيا أما الباقي فيمكن الإجابة عنهم عبر رابط للموقع الرسمي للشركة الأساسية لهيرمان.

أهداف تطوير مقياس هيرمان

كان الهدف الأساسي من تطوير هذا المقياس في تحديد أنماط التفكير، هو تعزيز فهم الأفراد لبعضهم والتواصل فيما بينهم سواء في العمل مع أعضاء الفريق الواحد أو مع الشخص ومديره, أو حتى في الحياة الشخصية وخاصة بين الأزواج, فمعرفتك بنمط تفكيرك ونمط تفكير الذي أمامك والذي تتعامل معه قد يساهم في التقليل من سوء الفهم, وتطوير القيادات وتحسين العلاقات الشخصية والعملية, عبر توزيع المهام ويزيد من إنتاجية العمل.

فتخيل أنك بصدد تكوين فريق عمل لتنفيذ مهمة إبداعية مختلفة لإنقاذ المؤسسة التي تعمل بها, تعتمد هذه المهمة بشكل أساسي على بيانات التعليم في منطقتك؟ برأيك هل ستختار كل أعضاء الفريق من نفس نمط التفكير أم ستحرص كل الحرص على تواجد أعضاء يملكون كل من التفكير التحليلي للتعامل مع البيانات وآخر يحمل نمط التفكير الإبداعي لجلب التغيير المنشود! ناهيك أنك سترسل صاحب نمط التفكير الإنساني إلى الميدان لجمع البيانات, وستجعل صاحب النمط التنفيذي قائد هذا الفريق ليحرص على إنهاء المهمة في الوقت المحدد!

فالمعرفة بطبيعتها تجعل الانسان أكثر ثقة وانتاجية, وعندما يتم إثراء هذه المعرفة بفهم أنماط التفكير للذات وللآخرين من حولنا, قطعا يصل الإنسان لمرحلة من الراحة النفسية والهدوء الذي يأتي مع هذا النوع من المعرفة, ويرفع من استخدام المهارات وتطويرها فينعكس على طبيعة الحياة التي يعيشها الإنسان وروتينه اليومي.

الكاتب: د. آية عوض قائد مسار الإرشاد الأكاديمي في مبادرة مسارات